أقلام حرة

لا ثورات!!

صادق السامرائيالثورة كمفهوم في عالمنا العربي إنطلقت من مصر، التي غيّرت النظام الملكي وتصرفت بأخلاق حضارية، فرحّلت الملك بسلام وإحترام، وما قتلت أحدا من أفراد العائلة المالكة.

وفي العراق تحققت ثورة كما تعودنا على ذكرها في الرابع عشر من تموز، سنة ألف وتسعمئةٍ وثمانٍ وخمسين، وكانت دموية متوحشة، لأنها أبادت العائلة المالكة بإنفعالية وتهور مشين.

وكم تساءلت ماذا ستكون عليه الثورة ومستقبل العراق لو أنها فعلت مثل مصر، كتسفير العائلة المالكة إلى الأردن بكل إحترام وتقدير وأمان؟

ما حصل في مصر ثورة إنحرفت عن مسارها وتخبّطت برؤاها، وفي العراق تحقق إنقلاب دامي كان فاتحة لإنقلابات أشد دموية منه، حتى وصلت الأحوال إلى ما هي عليه اليوم.

وعلى هذا المنوال تم تسمية الإنقلابات العسكرية في الدول العربية بالثورات، وما هي إلا تصرفات إنفعالية مشحونة بالنزعات الفردية والفئوية والتحزبية المؤجَّجة بالشكوك وسوء الظن بالآخر.

ومعظمها أصبح الكرسي إمامها ودينها ومذهبها الذي تذود عنه بشراسة فتاكة، وتطامت بالكرسي حتى صار تابوتها.

ففي العراق لا توجد ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة، مقارنة بثورات كبرى حصلت في مجتمعات الدنيا التي تغيّرت وتقدمت وإستقرت، عندما ثارت ووضعت خرائط نهضتها وتواصل أجيالها بمصداقية وإخلاص ووطنية صارمة.

ثوراتنا إسم على غير مُسمى، إنها شعارات وخطابات وتصريحات لا رصيد لها من الواقع، ولا أثر طيّب  لها في الحياة، وما أفلحت به هو المنازلات والحروب داخليا وخارجيا، واستنزفت ثروات البلاد بشراء الأسلحة التي خرّبت بها الوطن وقتلت المواطنين.

ومعظمها برعت ببناء السجون والمعتقلات الرهيبة للنيل من المواطنين والمعارضين السياسيين، وصنعت أفرادها ورموزها الفتاكين بوجودها، وأذاقتهم سوء المصير إلا في ما قل وندر.

فلماذا نبقى نخادع أنفسنا بتسمية ما حصل بالثورات، التي لا يُنكر أنها ربما أنجزت ما أنجزته، لكن الأمور تقاس بخواتمها ، ونقف عاجزين عن صناعة ثورة حقيقية ذات قيمة إنجازية إنسانية حضارية معاصرة؟!!

وسيُغضِبُنا هذا الكلام، لأنه ملحٌ على جُرحٍ لا يعرفُ الإلتئام!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم