أقلام حرة

الرب الغائب الموجود!!

صادق السامرائيالرب، ولكل معتقد ربّه وإلهه، والديانات الثلاثة المعروفة ترى أن الرب واحد، وهي الديانات التي تسمى بالإبراهيمية نسبة إلى إبراهيم أبو الأنبياء.

ورحلة البشرية مع الرب مرت بمتاهات ومسارات إنتهت إلى ضفاف الغيبية والتصورات الخيالية، وبعضها إتبع ما جاء به الأنبياء والرسل والبعض الآخر، إتبع هواه، وهذا الهوى قد تنوع وتعدد وتبضع، حتى لتجد الدنيا تزدحم بالمعتقدات الناجمة عن الإقترابات الحائرة.

ويبدو أن النفس البشرية تميل إلى ما هو ملموس وحاضر أمامها وتتوجس من الغيبيات، ولهذا فأن النسبة الكبيرة من البشر لديها ما تتفاعل معه حضوريا، وكأنه فاعل في وجودها الحي وتحاول الإبتعاد عما هو غيبي وغير ملموس.

ووفقا لذلك فأن العديد من المعتقدات تبدو وكأنها وثنية (تعبد جمادا أو حيا)، فالكثير منها يعبد ما هو قائم في الحياة، فنسبة كبيرة من البشر تعبد البقرة، ونسبة أخرى تعبد أنواعا من الحيوانات، وكثيرون لا يزالون يتعبدون في حضرة أشياء مادية يضفون عليها ما يعتلج في دنياهم من التصورات والتداعيات والرغبات.

وقد إختلفت مذاهب ومشارب البشر وتعددت، بتعدد ألسنتهم وبيئاتهم وظروفهم التي عايشوها، وتركت أثرها في مداركهم الواعية والخفية.

ولم تصل البشرية في مسيرتها البحثية عن القوة الغيبية الفاعلة في الوجود إلى وعي الإله المطلق القدرة، إلا قبل عشرين قرنا أو يزيد بقليل، وخلالها ما تخلى معظمها عن المعتقدات التي يمارسها والأرباب التي يعبدها.

وحتى في الديانات التوحيدية الثلاثة، برزت الفرق والجماعات والفئات التي توجه الناس فيها من عبادة الرب الواحد الأحد إلى عبادة الشخص، بعد إضفاء الصفات الربوبية عليه وتحويله إلى كينونة مطلقة تنصاع لها المجموعة المتعبدة في محراب البشر المُختار أو الذي صار يمثل الرب، وأوجدت تبريرات وتسويغات وتخريجات للتعبير عن منطلقاتها وتفاعلاتها معه.

وفي زمننا المعاصر تطورت الأمور أكثر وتجسمت وتجسدت بآليات تفاعلية تتلخص بالمتاجرة بالغيب، فهناك العديد من البشر الذين يمثلون الرب  أو ينوبون عنه، والبشر يتبعهم ويخضع لإرادتهم ويستسلم لمشيئتهم بلا تفكير، وإنما بعاطفية وإنفعالية فائقة.

والأنكى أن كل حزب بما لديهم فرحون ومؤمنون، ويحسبون غيرهم أعداءً لا يستحقون الحياة لأنهم لا يرون ما يرونه ولا يؤمنون بما يؤمنون به، فتحولت الأرض إلى ميادين صراعات عدوانية تمحق الخير وتؤسس للشر الشديد.

فلماذا تشظى الوعي البشري وطغى الغيبي المَريد؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم