أقلام حرة

اوهام الوطن والحدود

تصبح حقيقة لا يمكن النقاش فيها أية فكرة يتقادم بها الزمن وتاخذ زمناً طويلاً فتزداد رسوخاً وثباتاً وامتداداً ويمكننا ان ندقق في الكثير من الافكار والاعتقادات السائدة وسنجد ان الكثير منها تنطبق عليه تلك المقدمة.

لذا نحن بحاجة الى وعي المفاهيم التي ورثناها والتي تحيط بنا ومحاولة فهمها والغوص في تاريخها لاستكشاف جذورها فلرب حادث فريد صنع مفهوماً وساهم في تخليده.

ومفهوم الوطنية والوطن باعتقادي هو احد تلك المفاهيم التي بحاجة الى تدقيق وتعمق ومن الواضح ان الانسان يرتبط بالارض التي يحيا فيها وقد حصل ذلك حين اصبح يبحث عن الاستقرار بعد ان ملّ من حياة الترحال والتجوال التي لم تعد مجدية خصوصاً مع المخاطر والمصاعب التي تواجهه خلال هذا الترحال .

ومع استقرار الانسان وأنسهُ بمكان محدد نما لديه ارتباط سيكولوجي مع تلك الفسحة المكانية التي تحيط به ونمت لديه ذاكرة استطيع ان اسميها ذاكرة المكان

فهنا كانت شجرة يتفيأ ظلالها وهنا جدول الماء الذي يشرب منه وهنا مزرعته وهنا قبر قريبه والى اخره من محفزات الذاكرة التي تجعله يحن للمكان لأن خيوط ذاكرته مرتبطة بهذا المكان.

لكن هذا المفهوم تطور كثيراً بعد نشوء الدول الحديثة فظهرت الحدود واصبح الوطن فسحة مكانية كبيرة لا يتسنى لأي منا ارتياد كل مرابعها وانهارها وبحارها ومدنها وقصباتها وفرضت الادبيات مفهوم حب الوطن والدفاع عنه والتضحية في سبيله وتفتقت العقول عن تنظيرات كثيرة كل ذلك عن حدود اعتبارية موهومة لا وجود لها سوى في اذهاننا وعلى الخرائط.

فالحقيقة انني لا ارتبط عاطفياً او سيكولوجياً بمنطقة لم ازرها ولم ارها ولا اعرف طبيعتها او سكانها او لغتهم رغم ان كل ذلك جزء مما يسمى الوطن ،

فأنا ارتبط بذلك الجزء من الارض التي احيى فيها والتي تختزن معي جزء من ذاكرتي لكنني لا يمكن ان ارتبط بأرض تبعد مئات الكيلومترات عن هذه الارض لا لشيء سوى ان هناك من يقول لي ان ذلك هو وطني وعلي ان لا اسمح بالمساس بشبر منها .

لقد اهدرت البشرية دماءاً بريئة ونزفت كثيراً لأجل مسمى الوطن وهو كذبة لا وجود لها سوى في اذهاننا فما يربطني بالانسان الاخر لا يمكن ان تفرقه حدود وهمية ولا يمكن لأسلاك شائكة او حقول الغام مدفونة من ان تمزق علائق الانسانية العميقة التي تعتمل داخل كل منا.

لقد فعلت تكنولوجيا الاتصالات المتطورة فعلها وبدأت بأزالة هذا الوهم الذي بُنيت عليه اكداس من الاوهام كالقوانين الدولية والحدود الدولية وغيرها من المنظمات التي تساهم في خلق هذا التفاوت الانساني وتوطده.

سوف نستفيق من هذا الوهم حين يزول وسنرى اننا بحاجة شديدة الى ازالة هذه الحدود اكثر من وقت مضى وان البشرية بحاجة الى التوحد اكثر من اي وقت مضى فالمخاطر التي تتهددها كبيرة بما يكفي لأجل التوحد والتوائم وتقليل الفوارق والمسميات.

لست اريد كسر الحدود وازالتها بل اردت ان لا تصبح تلك الحدود عقبة امام مشتركاتنا الانسانية وان لا تصبح الفوارق القومية واللغوية والدينية وغيرها حدوداً اخرى نضيفها الى حدودنا المصطنعة.

 

اياد نجم

٢٢-٧-٢٠٢٠

 

في المثقف اليوم