أقلام حرة

الإنسان بين الإنسانية والدين

عبد الفتاح البشيري- يحيا الإنسان داخل قالب مركب من أنماط مختلفة من الفكر، تملي عليه ما يجب أن يفعل وتنهاه عن أفعال، وفق منطقها، كتأسيس، يأتي الإنسان بين منطقين يحكمانه أساسا، منطق العقل والبرهان، ومنطق الإيمان والتسليم، يتملك العلم والمنطق الأول منهما، وتحتكر الأديان، بالأخص، المنطق الثاني .

- إن الدين في أصله ميل ونزوع نحو الإيمان بفكرة إله خالق للكون والوجود ومسؤول عنه، ونجد أن "الدين من وجهة نظر أكاديمية بورجوازية هو نظرة إلى الكون وطريقة حياة محددة بالإيمان بوجود إله أو ألوهية، هو شعور بالإرتباط، بالتعلق والإلتزام تجاه قوة سحرية، ساندة ومبجلة"[١] . وهذه الفكرة مشتركة بين جميع الأديان، غير أن الإختلاف الوحيد بينهم هو في المعتقدات المرتبطة بكل دين، فلكل واحد منهم تصور معين لطبيعة الإله ولأصل الوجود، في حين أن أمورا أخرى يشتركون فيها واللتي قد نسميها بالوصايا الدنيوية أو الأفكار والأحكام المتعلقة بالحياة العادية واليومية للإنسان، الحديث عن الأخلاق الإنسانية مثلا وبالتحديد.

- في الغالب، يتجه الإنسان إلى الإيمان بفكرة معينة عندما يعجز عن البرهنة عليها عقليا، وهذا منطق الدين لأنه مبني على مبدأ التسليم والإيمان فقط ولا يمكن البرهنة عليه، وهنا يقول جون بودان وهو أحد أباء الكنيسة :" الدين ليس علما؛ لأن البرهنة عليه غير ممكنة؛ وهذه الأخيرة خاصة بالعلم، ولا يمكن أن يكون رأيا؛ لأنه بحاجة إلى الإستقرار لأسباب سياسية على الأقل ما دام الرأي متغيرا، إنه أيضا رضى حر وإنما بدون دليل حاسم". عندما تحصل البرهنة يقل الإيمان بتلك المسألة، ولهذا نجد أن معظم الأفكار التي يُروِّج لها الدين تتجه نحو الإيمان في الغالب وتبتعد عن البرهان، لأن مجالها هو الغيب ولا يمكن القياس عليها.

- إن من بين أهم استعدادات الإنسان الأولية هي حاجته للإيمان، الإيمان بمسلمات يربى عليها ليعيش بتناغم وسلام مع الطبيعة، وهو تعبير عن سياق تأويلي وبناء عقائدي يخص جماعة ما، ليس تعبيرا عن عقيدة جاهزة وثابتة وموحدة بين الجميع، إنها فكرة خاصة تضمنها جماعة أو جماعات معينة وتدافع عنها، وتبعا لهذا، يلحظ تعدد في المعتقدات والأديان، وهي إحالة إلى تمسك اتباعها بها وبقوة، ولا يمكن لإحداها أن تُمني على أخرى بكونها ضامنة لها ولا أشمل ولا أفضل منها، فلا يوجد معيار عام يمكن اعتماده لإثبات أن ديانة أفضل من أخرى، لأن الإيمان يتجاوز كل تنميط خارجي، إنه تجسيد لحدس واعتقاد شخصي بأن هذا هو الأفضل . وبما أن الدين استقرار نفسي للشخص خاص به، فما يبقى، وما يجب ضمانه، هو الحق لكل واحد في اختيار الدين الذي يشعر بأنه مهيء فطريا للإيمان به، لأن الأمر في النهاية غير مهم، تختلف الأديان ولكن الإيمان واحد، إيمان بفكرة الإله باختلاف التصورات عنه، وتختلف الديانات ولكن التدين له معنى مشترك فالتدين "أي الإيمان المعيش: هو الطريقة التي يعبر بها المؤمن عن علاقته بالدين، وهو التجربة المعيشة، والسريرة، والشعور الديني، على أنه أيضا الطريقة التي يتموضع بها المرء كمؤمن قبالة العالم الخارجي"[٢].

- لا يمكن إجبار أحد على أن يؤمن بفكرة معينة بطريقة معينة، لأن الإيمان هو فكرة نعيشها في صميم عقولنا ودواخلنا، حيث لا يمكن لأي بلوغ تلك المنصة، لا يمكن لأحد أن يدرك ما تؤمن به إلا لما تصرح بذلك، إضافة إلى أن ما تصرح به يمكن الإعتبار به لكن لا يمكن التأكيد على أنه صحيح ويمثل صاحبه، فلا يمكن إجبار أحد على اعتناق دين محدد، ولا يمكن القول بأن هذا دين كامل وهذا ناقص، لأن الأديان في الحقيقة تصور صورة الإله بالطريقة التي تراها صادقة، وأن يقول أخر بفكرة مغايرة لما تَحمل أنت لا يعني أنه ضدك ولكنه يعبر عن تصوره فقط وزاوية رؤياه، إنها تعبير عن تأويلات مختلفة لصورة الله، وكما يقول اسبينوزا "فالمتدين بدين أخر ليس كافرا، وإنما يعبد الله بطريقة أخرى".

- يقول ناصف نصار: "لو كان حضور الله في دنيا الإنسان حضور الشمس في دنيا الطبيعة، لكانت الدولة الدينية أفضل الدول وكان نظام سلطتها أفضل الأنظمة على الإطلاق. إذ لا نتصور أن عاقلا مبصرا يمكنه أن يفضل العيش في الظلام، بينما الشمس تشرق، وتحيي، وتدفع إلى تفتح الحياة وإلى التمتع بها. ولكن حضور الله في دنيا الإنسان ليس كمثله شيء في دنيا الطبيعة، ولا في دنيا الإنسان، ولذلك يختلف بنو الإنسان في إدراكه ومعرفته، وفي الإحتفال به، وفي الإمثتال له، وفي الإهتداء بهديه . ولذلك أيضا، يطرح الدين الإيمان سبيلا لفهم ما يقوله حضور الله في دنيا الطبيعة وفي دنيا الإنسان.  ولكن الإيمان الديني لا يفرض نفسه على الإنسان فرضا، ولا يمكن فرضه عليه بالإكراه، فهو تجربة روحية وسلوكية، يقوم بها الإنسان من دون أن يخرج من وضعه في الدنيا، ومن دون أن يتجاوز وجوده الطبيعي . الإنسان المؤمن دينيا هو إنسان طبيعي يؤمن دينيا. والإنسان الطبيعي هو هو في كل إنسان.  أنه كائن يحمل في ذاته الحاجة والرغبة، ويشعر بالخوف والأمل، ويتمتع بالحرية والرؤية، وينشد الطمأنينة واللذة، ويسعى إلى تحقيق المصلحة وتجنب المضرة، ويندفع بالحب والكراهية، ويتطلع إلى السعادة، وينمو وينفتح كيانه ثم يشيخ، وهو مع هذا كله كائن اجتماعي"[٣].

- يبقى أن يكون الإختيار حرا وميلا بإرادة، حينها ستتحكم عوامل أخرى في تثبيت قيم ومبادئ هي إنسانية كونية أكثر من كونها دينية وخاصة، لأن اختيار دين معين بإرادة معناه الإحتكام إلى أحكامه وضوابطه والإدعان لها بقرار يمثل صاحبه .

- باختلاف الأديان والمعتقدات، وتمحيصا لأفكارهم، سيتضح أن جوهر أي دين ليس التشريع، التحليل والتحريم، وإنما له بعد وأبعاد أخرى تتجاوز ذلك، إن جوهره تربية وأخلاق وتفعيل للقيم الإنسانية، ومسعى لبناء نظرة كونية شاملة للكون يستطيع من خلالها المتدين أن يفكر ليفهم الوجود والإنسان والحياة ولب العلاقة مع الإله بشكل دقيق، وترسيخ لقيم التضامن الإنساني العفوي بين الجميع، لم تكن الأديان يوما تعصبا ولا احتكارا للمنهج التعبدي الصحيح الذي يجيش الناس على مهاجمة بعضهم باسم الدين واستجابة لدعاء الإله، لم يكن الدين تحريضا لقتل الناس بعضهم بعضا تحت دريعة نشر الدين وطريق الإيمان الصادق، إنها أمور تنسب لرؤى رجال الدين والسياسة أيضا، من كانوا يفسرون ويؤولن الدين بنظرتهم ويجيشون في صدور أتباعهم على طاعتها، "إذا أردنا التبسيط، فإننا نقدر أن نميز بين سلطة الدين وبين سلطة رجال الدين. ففي كل دين، نجد أشخاصا يلعبون دور المرجع المسؤول عن شؤونه، تفسيرا وتطبيقا. وهؤلاء الأشخاص يعتبرون انفسهم، ويعتبرهم الذين يطيعونهم، أمناء على الدين نفسه كما تحدد نصا في كتاب معين، وليس من الضروري أن يكون هؤلاء الاشخاص طبقة خاصة"[٤].

- مدامت النظرة إلى الدين بريئة فلا مشكل، لا مشكل في أن ينظر كل واحد إلى الدين ويفسره بتأويل معين إن كان هذا ناتجا عن حسن نية وإيمان صادق، تعدد الطوائف في الدين الواحد أو تعدد الأديان لا يمكن أن يخلق مشكلا مادام ينبني على قيم ومبادئ كونية يحترم فيها كل متدين الأديان الأخرى ولا يقلل من معتنقيها، فكل الأديان لها هدف أخلاقي وقيمي سامي يطغى حتى على شعارها ومعتقداتها، غالبية الأديان هي مجمع الفضائل والوصايا الحسنة، يصبح الدين مشكلة عندما يجر غصبا عنه ويطرح في مدارات هو خارج نطاقها، مثل السياسة أو التجارة أو العلاقات العامة أو الحسابات الخاصة... لكن كوسيلة وليس كغاية .

- الدين تجربة شخصية روحية بين الإنسان وخالقه، هذه العلاقة منعزلة عن كل تجسيد واقعي وبعيدة عن كل تنميط، لكل الحق في أن يختار طريقة عبادته، وكل حر في ذلك، أما العلاقات بين البشر فتبنى على أمور أخرى ومفاهيم أخرى؛ من قبيل المنفعة المشتركة و العقل والقانون والعلم... وهي أمور وضعية لا يكمن الخلاف فيها بينهم، يتواضعون عليها بحكم أنها لا تترك لأحد الأطراف رأيا شخصيا فيها، لا رأي في العلم مثلا، فما ينتجه العلم هو حقيقة مبنية على أسس، وما يسطره الدستور أو القانون هي أحكام تواضع عليها العارفون، طبعا يمكن تغييرها ولكن بالإجماع وليس لأنها لم ترق أحدهم .

- إن الدين في الحقيقة شعور بالإرتباط بفكرة أسمى، هي فكرة الإله التي تحضر في نفسية المؤمن، تحضر عن طريق عملية إيمان معقدة وبسيطة في آن واحد؛ يؤمن الإنسان عن طريق التسليم بصحة عقيدته، ويؤمن أياما إيمان بإمكان خلاصه عن طريقها، إنها في نظره عقيدة صحيحة لا نقص فيها، يعتنقها بكل قوة، ويسير معها في زوايا الحياة متشبتا بها، إنها فكرة تجعل نفس المؤمن تضمحل داخلها وتتناسق معها ويصيران معا متلازمين، "من هنا يجيء اعتقادنا البديل قويا وعنيفا.  إن بوسعنا أن نثق في أنفسنا ثقة محدودة، أما إيماننا بأمتنا أو ديننا أو عرفنا أو قضيتنا المقدسة فيجيء عادة، مطلقا لا يقبل المساواة. إن البديل الذي نتبناه باعتدال لا يمكن أن يحل محل أنفسنا التي نود نسيانها ومحوها. لن نشعر أن لدينا شيئا نستحق العيش من أجله ما لم نكن مستعدين للموت في سبيله.  هذا الإستعداد للتضحية بالنفس هو الذي يثبت لنا وللأخرين، إن البديل الذي فضلناه على الحاضر الفاسد الفاشل هو، فعلا، أفضل بديل يمكن تصوره."[٥]. ومن تم، يعيش الإنسان متدينا زاهدا في المتاع .

- إن التشدد في حب الدين الذي يعتنقه المؤمن يأتي نتيجة علاقة ممتدة وبتجارب فردية بين الإنسان والدين نفسه، ففي عملية الإيمان الديني هناك ثلاث ركائز أساسية، الإنسان أولا باعتباره الذي سينسب له الإيمان، ثانيا الدين الذي يراد الإيمان به، ثم ثالثا المسافة التي تربط بين الإنسان والدين وتسمى التدين.  إن تحديد هذه المسافة أهم مما سيتم الإيمان به أساسا، لأن المبتغى ليس الفكرة وإنما تجلياتها واقعيا، وأهم ما يراد أن يتجلى هو إزدهار الأخلاق والقيم الإنسانية المشتركة .

- إن أي فهم مغلوط لما يؤمن به أو تعثر في المسافة سيؤدي في النهاية إلى إيمان متطرف بفكرة السلام الديني، وبدل انتشار القيم الإنسانية سينتشر الإرهاب والرعب والتهاوي البائن للمبادئ الإنسانية.

- إن التطرف الديني نابع من سواد ثقافة دينية سطحية دوغمائية، ثقافة تزكي قيم التباغض والتباعد بدل الحب والتلاحم، الأمر الذي يجعل أن هذا المتدين يرى أن ما يعتقد فيه هو حقيقة كونية ثابتة، وأن سائر الديانات والمذاهب الأخرى إنما هي تعيش في تيه، إنهم كفرة وضالون في نظره. إضافة إلى أننا نجد في الدين نفسه طوائف متعددة، وكل طائفة تقول بأنها القادرة على فهم الدين بالطريقة الصحيحة، معظم المتدينين لا يؤمنون بجوهر الدين ولبه، وإنما يؤمنون بتصورهم للدين، إنهم يحاولون من خلال فهمهم للدين أن يجعلوا الجميع نسخة عنهم يؤمنون بما يفهمونه هم. وهذا ينم على أن كل يفهم الدين بحسب شخصيته، تاريخه، ثقافته، والبعض يتدين فقط كتعويض عن إيمان مسلوب من نفسه، "إن الإيمان بقضية مقدسة هو، إلى درجة كبيرة، محاولة للتعويض عن الإيمان الذي فقدناه بأنفسنا"[٦]. إنه يؤمن بما يريد أن يكون عليه الدين، غالبا يكون إيمانا لغاية ما، ووسيلة لمراد ما قد لا يفصح عنه بوعي وإنما يستكن اللاوعي.

- يؤمن الإنسان بالدين، بوعي أو بتطرف، إيمانا شخصيا مبنيا على تأويل للعقيدة أو لدينه بما يتلائم وطريقة فهمه للحياة والدين، وغالبا، ما يتدين كمحاولة للتربيض على شروح وأسئلة تعشعش في العقل ولا يجيب عنها، بل لا يستطيع الإجابة عنها، إن الإيمان وبمعنى ما هو محاولة للإجابة وللتفسير وللتصديق، نابعة من رغبة قوية في فهم العالم وإعطائه إمكانية وجود، الإنسان هو خالق العالم، الوجود، الكون.. بتعبير أدونيس، أي أن تصوره للعالم يعتمد بشكل أساس على مدى فهمه له استعانة بما يعتقده في دينه، فحسب  إنغلز، فإن "الدين هو انعكاس خيالي في رؤوس الناس لتلك القوى الخارجية التي تتحكم بوجودهم اليومي، هو انعكاس تأخد فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق أرضية. في بداية التاريخ كانت هذه القوى هي قوى الطبيعة "[٧].

- إن الإنسان هو أكثر الموجودات حيرة، يستكن الغموض، إنه الكائن الذي يتجاوز حدود الطبيعة إلى ما وراءها (الميتافيزيقا)، يتمثل الأشياء الخارجة عن الواقع، يعمد إلى سبر أغوار أي شيء بحثا عن الحقيقة والمعنى، ويرتبط أياما إرتباط بالإله عن طريق الدين، والدين هو السر العظيم بين الإنسان ومعبوده، فهو حسب الرفاعي جوهر الإشكال المساوق لشوق وشغف الذات المؤمنة وهي تبحث من خلال الظمأ الوجودي عن المعنى الغابر، " وعبر البعد الأنطولوجي يمكننا العبور إلى جوهر الدين، وبه يرتوي ظمؤنا للمقدس، وبه نتذوق الأبعاد الجمالية فيه، وندرك ما يفيضه الدين في عالمنا"[٨]. بواسطة الإيمان الديني يجد المرء نفسه مكتسبا لمعرفة ولتصور عن العالم يروي شغفه ويضمض ما أفرزته استشكالاته المضنية عنه، إنه كمحاولة صادقة لتجويد النثوءات والفراغات الكامنة في ذهنه للعالم، إنها بشكل من الأشكال محاولة فهم وتفسير للعالم.

- يتم التواضع بشكل لا خلاف فيه على أن الإنسان كائن مركب، يتملكه الفكر العقلاني البرهاني من جهة والفكر الإيماني الديني التسلمي من جهة ثانية، يعتمد الدين على الإيمان الصادق بدون الحاجة لبرهان، في حين يلجأ العقل إلى البرهنة على كل ما يجب أن يؤمن به، تطور الفكر والعقل والمنطق أعطى نتائج قوية، ومنها العلم، وفي خضم التطور المهول للعلم، يمكن أن نتساءل، أبوسع الإنسان فهم الوجود بدون دين يؤطره أو إيمان يشق طريقه؟ .

- في الأصل، إن الإنسان كائن ذو أبعاد حسية وجدانية بالأساس، عقلاني ومنطقي لدرجة لا توصف، تاريخي، اجتماعي... كائن مركب بطريقة رهيبة ومن أنماط مختلفة،  ومن كل هذا، هل يمكن للإنسان أن يفهم وجوده المطلق بداية من نشأته (العامة والخاصة)، ومميزاتها وآفاق تشاركه مع باقي الكائنات الأخرى اعتمادا على عقله وعلمه فقط، أو على دينه وإيمانه فقط؟ .

- يقوم الدين على سؤال "لماذا" في حين أن العلم يتأسس على سؤال "كيف"، الدين يأتي قبل العلم وبعده، يأتي مجيبا على أسئلة لا يمكن للعلم أن يطرحها لأنها تدخل في نطاق ميتافيزيقي لا يمكن القياس عليه، فأن تطرح سؤال كيف وُجد الإنسان هو مخالف لأن تطرح سؤال لماذا وجد الإنسان، فسؤال النشأة والمسار يختلف عن سؤال الغاية والماهية، في الغالب يمكن للعلم أن يقدم جوبا أو تفسيرا أو تقويضا للسؤال الأول عن طريق نظريات وضعية يمكن تبنيها، لأنها تقدم تفسيرا ملموسا، وقد نجد هذا في الداروينية مثلا، لكن سؤال الماهية يبقى بعيدا عن كل توضيح علمي لأنه يدخل في نطاق أشمل وأوسع وأي تفسير له لا يمكن القياس عليه، وهذا نوع من الأسئلة تجد جوابا لها في الثقافة الدينية، وباختلاف الأديان تختلف التصورات، وتختلف أيضا الإعتقادات، فالدين هو مجال فكر نسبي لا يمكن أن يتواضع عليه جميع البشر ولا يمكن أن يُطلب من الجميع الإيمان بنفس الطريقة والكيفية وممارسة نفس الشعائر.

- يحضر في الحياة التصور الميتافيزيقي عند الإنسان، فبحثه في الأشياء وإلى حدود اليوم، غالبا ما يقدم تفسيرات تفوق الطبيعة وتبحث في جواهر الأشياء بعيدا عن ما يفسره العلم، إن هناك شيئا أعمق مما يفسره العلم والعقل ظاهريا، يحضر الإيمان عندما يغيب العلم والبرهان، أي أن هناك أمر حسي شعوري يرتبط بأن هناك حكمة أو غاية من وراء هذا الفعل، أو أسباب خفية وراء هذا النمط الظواهري، وهذا أحد الأمور التي لا يعتمدها العلم، بل إن باشلار ذهب إلى اعتباره عائقا أمام بلوغ حقيقة علمية موضوعية وأسماه بالعائق الجوهري، أي البحث في ما وراء تناسق وترابط العلاقة بين أركان الظواهر. وبالتالي، فإن العلم يصدق فقط ما يمكن ملاحظته والقياس والتجريب عليه، أو بناؤه بناء عقليا رياضيا منطقيا .

- يبقى الحضور الميتافيزيقي نسبيا مقارنة مع الحضور الوضعي، فالأول تعبير عن وجهة نظر أصحابه ويختلف باختلاف المعتقدات والأديان، أما الثاني فهو تفسير نتاج تجارب متعددة ومعقدة وعلمية، وهو مطلق لا يمكن الشك فيه من طرف أي كان باختلاف معتقداتهم، إن العلم ينتج معرفة كونية يتواضع عليها الجميع ويفهمها ويبرهن عليها للجميع ويتم تقبلها بما لا يدع مجالا للشك من قبل الكل، وللعلم سياق تاريخي من التطورات والتوسعات في مجالات عدة، يخضع العلم لتطور مستمر. وهذا، كما أشير، يختلف عن الدين الذي هو تعبير عن حقيقة نسبية وسياق تاريخي لم تتبدل فيه المعتقدات منذ بداياتها قبل قرون.

- رغم ذلك، ففي كنه الإنسان هناك حاجة للإيمان، للإيمان بفكرة معينة، وبالدين، لأن نظرة بسيطة لنفسية الإنسان ستجعلنا نلاحظ أنه كائن استشكالي متسائل، فهو حامل لأسئلة جمة، لا يمكن الإجابة عنها كاملة وبالتفصيل علميا أو عقليا، وبطريقة وضعية تجريبية، لهذا فهو محتاج للدين أو لفكرة غيره تجيبه عنها بطريقة تلامس القلب والوجدان وليس العقل، فيؤمن بها .

- يمكن فهم الدين في سياق معين وتحت شمائل فكرة كبيرة تقول انه لم يأت من أجل خلق النزاع والتفرقة بين البشر، أو خلق صراعات عقائدية أو حروب مذهبية أو جدالات دينية، فقط من أجل إثبات أن دينا هو أعظم من دين، وتزكية لمطمح المنتسبين بأن دينهم هو الدين الصادق، لا يمكن إقناع شخص بأن يكفر بدين ويعتنق أخر إن لم يفعل ذلك بملء إرادته، ثم ماذا سيستفاد إن تبث أن دينا هو أعظم من أخر مادام الناس مقتنعون أنهم لن يغيروا دينهم؟ إن جوهر الدين ليس صراعا، إن لمحة بسيطة على تاريخ الأديان ستبين أنها وبمجملها وبمجمل تعاليمها تدعو إلى التشبث بالقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية وإعمال العقل في الحياة والبحث عن كيفية تطوير الإنسانية جمعاء، إنها الفكرة العظيمة التي جاءت منطوية تحت لوائها جل الأديان وباختلافها، لا تختلف الأديان إلا في الشعائر وطريقة التعبد، إن الإنتماء للإنسانية هو الإنتماء الأول والأخير، الإنتماء الذي به تعرف قيمة المرء كإنسان، والإنتماء الديني هو إنتماء شخصي يهم صاحبه فقط . وأحد أبرز خصائص الإنسانية هي صفة العقل التي يمتلكها كل الناس، وبالتالي، فهي عطاء إلاهي رباني، ولا يمكن في هذا السياق توقع عدد لا نهائي من الآلهة لأن المعتقدات مختلفة، ولكنه إله واحد تختلف طرق وزوايا تصويره باختلاف الأديان، وبما أن العقل عطاء إلاهي وهو كوني، والدين كذلك ولكنه نسبي، فيجب أن يتم قراءة الدين بما يتوافق والعقل، فكما قال ابن رشد "فلا يمكن لله أن يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها"، وهذا الغرض هو ما استحدثت من أجله القراءات العقلية والفلسفية للدين، وهذا مجال تخصص فلسفة الدين، فهي "تفكير في معنى الدّين داخل حدود العقل بمجرده وليس بإرادة إحداث تغيير في العقائد الإيمانيّة. لكنّ الحرص على البقاء داخل حدود العقل ليس موقفا سالبا، بل هو الأمارة الكبرى والحاسمة على قدرتنا المطلقة على الحرية. أن نبقى في حدود العقل بمجرده يعني أن نرفض أيّ وصاية على طرق تفكيرنا، حتّى في مسائل الدّين. فإنّ اللاهوت نفسه ينبغي أن تكون له الحرية الكاملة في أن يذهب في عمله إلى أبعد ما يمكن أن يبلغه. ولأنّه هو أيضا لا يستطيع الإستغناء عن العقل، فإنّ ديناً، يعلن الحرب على العقل من دون تفكّر في العواقب، سوف لن يتمكّن مع طول المدّة من الصّمود أمامه. هذا هو الدّرس المثير للعصور الحديثة"[٩]. فكل عقيدة دينية لا تمتح من العقل أصولها وشعائرها وتهاجمه وتُبنى على أسس مخالفة له سيصبح مع الوقت مدعاة للشك -حتى من أصحابه- خصوصا بعد تطور العقل الكبير ونضجه وتربعوالعلم على عرش تزويد البشرية بالمعرفة الصادقة .

- تبعا لذلك، يجب أن يبنى الدين على قيم العقل،الإنسانية، وما يتبعه من أسس الحرية والفردانية والإنتماء الخاص، فلكل الحق في الإيمان بما يشاء أو حتى الكفر بالإيمان، أي ان يعتنق مذهبا دينيا معينا أو ان يقرر الإلحاد، وهذه المفارقة ليست أمرا مستحدثا أصلا، ففي تاريخ الإنسانية وعلى مر العصور كان هناك حضور للإيمان والإلحاد بين صفوف البشر، في كل النظم السياسية وباختلافها. إضافة إلى أن الملحد ليس ضد المتدين، فالملحد يقع أيضا في الإيمان، يؤمن بفكرة النفي. "إن نقيض المتدين المتعصب ليس الملحد المتعصب، ولكن المتشكك الذي لا يتخذ موقفا محددا من الدين، الملحد متدين من نوع ما؛ لأنه يعتنق الإلحاد كما يعتنق المرء دينا جديدا، والملحد يتبع مبدأه بحماسة وقوة."[١٠]. وعندما يتم طرح فكرة الحرية في الدين فهذه ليست مطالبة بتمييع الدين أو نشر الإلحاد، وإنما مطالبة بحرية المعتقد لكل الأفراد، هذا منبعه الأول والأساس هو الحرية الإنسانية، وهذه الأخيرة في علاقتها مع الإيمان ستكون في صالح الدين، لأن تَبنِّي كل فرد بحرية للمعتقد الذي يؤمن به بكامل إرادته وبدون أي تسلط ستخلق لنا بالضرورة أناسا متصالحين مع محيطهم ومجتمعهم ومعتقداتهم، وهذا بخلاف إن حصل إكراه، فإجبار الناس بخلفية معينة على اتباع دين محدد فقط وبالضرورة، فرضا لا تشاور فيه، ودون أدنى مراعاة لما يريدون هم ولا لإيمانهم، سيعطينا أناسا مؤمنين منافقين، يتظاهرون بغير ما يبطنون، وهذا سيكون أثره أكثر خطورة على المجتمع، لأنه يخلق متدينين منافقين، يظهرون عكس ما يبطنون وما يؤمنون به، زيادة على أن بعض الطقوس ترتبط بالدين وهي في الأصل لها سياق تاريخي وثقافي أخر بعيد عنه، هذا الخلط يقلل من قيمة الدين عندما ينظر إليه من الخارج أو بطريقة نقدية من الداخل .

- وجب التصدي ومواجهة كل ثقافة تستغيث بالدين لنشر أفكار لا تعبر عن الدين وإنما عن حراك ثقافي وبناء تاريخي مرتبط بحضارة معينة، بل من الواجب نزع التصورات الثقافية من الدين أساسا، ووضع القيم الدينية صادقة دون تأويل غرضي لأسسها، دون حشر الثقافة في الدين، لكي يبقى الدين تعبيرا عن توجه من أتوا بالدين (الرسل، الأنبياء، المكلفون، الأئمة...) بنقاء ولا يكون مزجا وخلطا وإعطاء دين يختلط بثقافة، فيكون تعبيرا عن ثقافة دينية محلية بدل أن يكون (الدين) فكرة تتجاوز كل تنميط ثقافي إنساني وضعي بتصور بخلفية أيديولوجية. وهذا ما تقوم به المجتمعات التي يسودها الدين، فإنها تقوم على تعليم الناشئة قيمها التي ورثتها سابقا ممزوجة بثقافة محلية، وهذا ما يجعل الأديان تختلف فيما بينها، لأنها لا تعبر عن حقيقة الدين وإنما عن أيديولوجيا ترتبط به، وهذا يفسد منطق العدالة في الدين فلا يمكن إجبار أحد على الإيمان بدين معين وهو تعبير عن مزج بين قيمه وقيم ثقافية لا يعيش وفق نمطها، وبالتالي، حتما، سينظر إلى الدين بأنه فاسد أو على الأقل أنه لا يناسبه، وهذا ما يقول به عبدالجبار الرفاعي :"الطريق إلى العدالة لا يمر من خلال أدلجة الدين، لأن الأدلجة تفسد الدين"[١١].

- تلعب التنشئة الإجتماعية دورا مهما وخطيرا في تكريس تصورات معينة عن الدين، الأغلبية من البشر، إذا لم نقل جلهم، وعلى مر التاريخ، لم يكونوا يختارون ديانتهم بل كانوا يتربون عليها وينشؤون على ضوئها في أسرهم ومحيطهم، بل أحيانا كانت تفرض عليهم فرضا، ولأنهم يترعرعون عليها منذ الصبى فإنها تصير لصيقة بهم ولا يستطيعون مغادرتها، بل لا يفكرون أصلا في ذلك، غير أن بعض الصدف، وتبعا لظروف وأحداث معينة، قد يحصل أن يتجه البعض بسببها إلى تغيير ديانته ويعتنق أخرى، وأحيانا قد يؤمن بالإلحاد فكرة، وعلى العموم، ما يهمنا هو أن معظم الناس ينشؤون على ديانة معينة دون وعي باختيارها، بل هي تعبير عن ثقافة المجتمع الذي وجد فيه، فالدين يصير جزءا من ثقافة المجتمع، فيرتبط بها وترتبط به ويتداخل بعضهم في الأخر، فيصير من خلال ذلك مدافعا على دينه وعقيدته ضدا على الأخرين، اللذين يعتبر أنهم على خطأ وأن عقيدتهم باطلة، متناسيا أن لهم نفس الحق في اختيار ما يعتقدون به، رغم أن اختلاف الطريق لا يعني اختلاف المبتغى أو النهاية، فالمتدين بدين أخر ليس كافرا وإنما يعبد الله بطريقة أخرى، ولو أن أحدهم نشأ في بيئة الأخر لتدين بدينه واتبع عقيدته التي سينشأ عليها وسيدافع عنها ببسالة، ويقول علي وردي هنا :"حين يدافع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنه إنما يريد بذلك وجه الله أو حب الحق والحقيقة، وما درى بهذا أنه يخدع نفسه ، إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من البيئة التي نشأ فيها ، وهو ولو كان نشأ في بيئة أخرى لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة من غير تردد ثم يظن أنه يسعى وراء الحق الحقيقة".

- إن ارتباط الدين بالثقافة، وعمل المجتمع على تنشيء الناشئة وفق هذا الإرتباط، يخلق نوعا من التداخل بين الدين والثقافة، فلا يصير الدين حرا كونيا وإنما يرتبط بثقافة معينة تستجوب، تبعا لذلك، على كل من أراد الإعتقاد في دينها أن يتملص من ثقافته ويرتبط بثقافة هذا الدين، وهذا أمر يخلق نوعا من الصعوبة، فلا يصير الدين تعبيرا عن فكرة سامية وإنما عن حضور سوسيوثقافي يحيط به، "في الواقع، لا يطرح الدين بصفته دينا إلا عندما ينفصل انفصالا بينا عن الثقافة، وإن كان ذلك في توتر مؤقت، وهش، ومجرد إجمالا. (...) إن الدين الذي يثبت أنه دين حقيقي هو الذي يطرح بوضوح، وفي لحظة معينة، الثقافة بوصفها غيرية وإن بذل قصارى جهده عند الإقتضاء للإستيلاء على تلك الثقافة أو ليجعل منها ثقافة(...) والحال أن أي دين لا يمكنه أن يلبي شروط العولمة وأن يصبح عالميا، إلا إذا قدم نفسه، وإن على نحو مجرد، على أنه غير ثقافي"[١٢].

- لا يتحدد الدين بوصفه نموذجا ثقافيا، ولا يمكن إنزال تعاليم الدين إلى مستوى الثقافة والجهوية، بل إن حقيقة الدين تكمن في صبغته الكونية التي من الممكن أن تجذب قلوب أتباع أديان أخرى للإعتراف بعظمة تعاليم هذا الدين حتى وبدون اتباعها، إضافة إلى هذا، فإن محاولة تثقيف الدين وربطه ببيئة معينة سيجعل منه الإنتماء الأول والأخير  للإنسان، والأصل أن الإنسانية هي الإنتماء الأول الواجب انخراطه فيه، في حين أن الدين في حقيقته علاقة شخصية بين العبد وإلهه، علاقة لا يمكن التأكد من صدقها أبدا إلا من طرف الإله والعابد، وكما يقول محمد الطالبي "الدين ليس هوية، ولا ثقافة، ولا أمة، إنه علاقة شخصية مع الله، والطريق إليه"، وإذا ما تم استيعاب هذا الأمر فسيكون الهدف هو خلق مجتمع تسوده القيم والمبادئ والأسس والمعاني الإنسانية أولا وشمولا، ثم بعد ذلك يأتي ضمان حريات التعبد وحرية المعتقد للناس، ولا يتم التفريق بينهم بمعيار ديني عقائدي وإنما الكل سواسية تحت مسودة الإنسانية، وهذا الأمر هو ما انبرت العلمانية للقيام به .

- إن الفضاء الوحيد الذي من الممكن أن تتعايش فيه كل الطوائف والأديان والمذاهب بسلام تام هو فضاء العلمانية، لأنها تضمن لكل الحق في التدين كيفما شاء، هذه الحرية مكفولة بقوة القانون الوضعي المبني على أسس عقلانية إنسانية، العلمانية ليست ضد الدين كما يروج لهذا الفهم المغلوط، بل تعني العيش في مجتمع يسوده القانون والعلم  ويسير وفق أصولهما ولا شيء غيرهما، إنها فصل للدين عن السياسة، أن تسير الدولة بمنطق عقلي علمي وليس بمنطق عقائدي، وهذا يوضحه قول فرج فودة :"ليست العلمانية انكارا للأديان، وإنما هي إنكار لدور رجال الدين -بصفتهم رجال دين- في إدارة سياسة الدولة أو توجيهها". أي أن يعيش اليهودي والمسيحي والمسلم والبوذي والملحد والربوبي واللاأدري... تحت لواء راية واحدة تضمن وتكفل لهم حقوقهم كمواطنين وليس كمتدينين، والسمة الإيجابية للعلمانية تكمن في كونها تنضح بالقانون ولا تقوم بالتفرقة بين الناس إلا عن طريق القانون وليس على أساس ديني أو عرقي أو معتقدي.. فالدولة العلمانية تعامل المواطن كإنسان، تعترف بالحقوق الفردية وتكفلها له، وتضمن للجميع باختلاف معتقداتهم نفس المساواة ونفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات .

- تقف العلمانية على نفس المسافة بينها وبين كل الأديان التي تكفلها، فهي تحمي الوجود الديني ولو كانت نسبة معتنقيه قليلة ومحدودة، لكل الحق فإن يؤمن بما شاء شريطة أن يمارس طقوسه في دور العبادة المكفولة والمحصنة له لذلك، وله الحق في أن يدعو الناس لاعتناق دينه شريطة أن لا يعمد إلى محاولة فرضه، أن لا يمارس القوة والعنف في دعوته، لأن أمر الحروب والعنف والإضطهاد قد تم تجاوزه في ظل العلمانية، فبسببها توقفت الحروب الدينية والعقائدية (في الغرب)، لأن "العلمانية تحافظ  على مكانة الرسالات، تحترم مقدسات المواطنين، وتمنع الإساءة إليها"[١٣]. فهي تتجه إلى أن تكفل حق التعبد للجميع .

- لكي ينبت فهم معمق للعلمانية، وجب في سياقها أن يتم نشر قيم التسامح والتواصل والحوار الديني، تثقيف الشعوب وتزويدها بثقافة علمية وفكرية رصينة، تحيي قيم الإنسانية، الإطلاع على كتب التاريخ والفلسفة والعلم يزكي هذا المسعى، لأن التعمق في الفلسفة والإطلاع على كتب التاريخ ومراجعة العديد من الأفكار والمعتقدات، ودراسة تاريخ الأديان، وكتب تطور الفكر الإنساني، حتما سيجعل المرء أكثر نضجا وتطورا فكريا، وسيدرك حينها أن الدين تجربة فردية مستقلة ومنعزلة تخصه لوحده مع الإله، وسيعي أن الدين ليس قياما بالشعائر فقط وإنما امتثالا للإنسانية، وسيدرك أن الدين مسألة إيمان وقناعة شخصيين لا يمكن البرهنة على صدقه للأخرين، فالأفكار الممكن مناقشتها هي الأفكار العقلانية والمنطقية، حينها فقط يمكنه تقبل أناس مسيحيين أو لادينين أو يهوديين أو ملحدين... وسيتقبل بكل صدر رحب انتقاد الآخرين ومساءلتهم لمعتقداته وأفكاره لأنها ببساطة مجرد قناعة شخصية يمتلكها وليست ملكية خاصة مطبوعة، ليست حقيقة كونية .

 

بقلم: عبد الفتاح البشيري

...........................

١) ياسين بوعلي، الثالوث المحرم، ص١١.

٢) أوليفييه روا، الجهل المقدس، ص٦١.

٣) ناصف نصار، منطق السلطة، ص١٤٩.

٤) نفس المرجع، ص١٤٥.

٥) إريك هوفر، المؤمن الصادق، ص ٣٩.

٦) نفس المرجع،ص٩.

٧) انغلز، ثورة الهر أوجين دوهرنغ في العلوم، ترجمة فؤاد أيوب، ص٣٨١.

٨) عبدالجبار الرفاعي، الدين والضمأ الأنطولوجي، ص١١.

٩) ايمانويل كانظ، الدين في حدود مجرد العقل، ص3.

١٠) اريك هوفر، المؤمن الصادق، ص٣٣.

١١) عبدالجبار الرفاعي، الدين والضمأ الأنطولوجي، ص١٢٣.١٢٤

١٢) أوليفييه روا، الجهل المقدس، ص57-58.

١٣) فاروق القاضي، العلمانية هي الحل، ص١٣.

 

في المثقف اليوم