أقلام حرة

إبداع الأنأنة!!

صادق السامرائيالأنأنة من الأنين، والسائد في إبداعنا بأنواعه أنه بكائي حزين ودامع مرير، ويتمتع بدرجات عالية من الجَلد الذاتي والتحسّر والرثاء الشديد للوطن والحياة.

إنه إبداع موت أكيد!!

المقالة، القصيدة، الأغنية، النص الأدبي، عبارة عن بكائيات، وإن شئت لطميات عنيفة وقاسية، لا تسمح بالشعور بحرارة الوجود والتفاعل الإيجابي مع الذات.

وفي لحظة تأريخية أصيلة متميزة، يثور فيها الشباب يطالبون بالوطن الذي تصادر منهم وفقا لأجندات إقليمية وعالمية وأدواتهما المؤدينة والمتحزبة، تطغى الكتابات الباكية، ويخلو الإبداع  من العطاء الإيجابي المتفاعل مع نبض الشارع، والمعبر عن حماسة وتطلعات الشباب.

كبار المطربين يترنمون بألحان تبكي وطنا وشعبا، وكأنهم لا يستمدون ألحانهم من عروق الحياة، وشعراء ينشرون مرثيات قاسيات، وبهذا يعلنون وأد شعب وموت وطن.

إن المجتمعات الحية لا تئن وتتحسر وتتظلم وترثي حالها، وتجلد ذاتها وتنكر موضوعها، بل تتحلى بالعزيمة والإقدام والإصرار على يناء وجودها القوي القويم، فلا تنظر خلفها وإنما إلى الوطن الذي رسمته في خيالها، وإلى الأجيال التي تريد أن تراها تسعى أمامها.

والأمثلة كثيرة إبتداءً من ألمانيا وفرنسا، وبعض دول أوربا الشرقية التي محقتها الحرب العالمية الثانية، وفيتنام والكوريتين وغيرها العديد من شعوب الدنيا، التي لو بحثتم في إبداعاتها فلن تجدوا رثاءً وبكائيات، وإنما ملاحم إقدام وتجليات حاضر ومستقبل زاخر بالطموحات والآمال.

فلماذا إبداعنا دامع وكل ما نبوح به حزين متئس مبتئس شنين؟!

فبعد الذي جرى، لا بد من مراجعة سايكلوجية الإبداع، وأن يتحرر المبدع من الأفكار السلبية ويتحلى بالإيجابية، ويكون مشعل إقدام ونبراس إلتزام بحق الحياة وضرورة صناعة الإنسان الوطني الهمام، الذي يستثمر طاقاته الإيجابية لبناء الأفضل والأطيب في ربوع البلاد.

يجب أن يرفع المبدع رايات البناء ويضخ الأجيال بإرادة الأمل، والثقة بالقدرة على الصيرورة الأبهى والكينونة الأزهي للوطن والمواطنين.

علينا أن نطهر إبداعاتنا من الدموع والآهات والأنين والتوجعات، وحتى القراءات الدينية عليها أن تنبذ البكاء واللطم ومسيرات الوجيع والندب، وأن تستلهم روح الثورة العزومة لتبني أجيالا ذات إرادة تواقة للخير والمحبة والعدل والرقاء الإنساني الأصيل.

فهل سنكتب بمداد الحياة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم