تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

صادق السامرائي: هو الذي قعد!!

طبيب أريب وأديب لبيب، كان يتمتع بنشاط وحيوية، وتفاعل مطلق مع الحياة، دعوته للعشاء في مطعم فيه أجواء البلاد التي ولدنا فيها.

وجاءني مقعدا على كرسي متحرك، وتتدبر شؤونه إمرأة تم تعينها لخدمته، وكأنه طفل في عامه الثاني.

هذا الإنسان الذي كنت أجالسه وأعجز عن القيام بما يقوم به من نشاطات رياضية وعمليات جراحية معقدة،

أراه أمامي غير قادر على السير ولو لخطوة واحدة، ويعجز عن الوقوف، ولابد من مساعدته في كل شيئ.

قلت له: إنها الحياة خدّاعة!!

قال: نعم!!

وقد حدّق بعيون خالية من بريق الحياة.

ساعدته المرأة المسؤولة عن رعايته بإحضار طبق الطعام، فوجدته يستطيع تحريك يده اليمنى المرتعشة ويضع الملعقة في فمه.

إحترت هل أنظر إليه أم أتحاشى تأمله، وهو المتهاوي المتهالك الغير قادر على فعل ما يريد.

حدثني عن مكتبته بصوت متحشرح، ودفع إلي بعشرات الكتب التي جلبها معه، وقد أحضرتها مرافقته بأربعة صناديق.

قال: إن مكتبته تضم خمسة آلاف كتاب، تعال وخذ ما تريده منها !!

أعرف أن كتبه عزيزة عليه، ولا أجرؤ على تلبية طلبه .

فالعلاقة بين الإنسان والكتاب ذات تفاعلات عجيبة، وأرى لو زرت مكتبته وأخذت منها ما أختاره سأبكيه لأنه لا يريد لكتبه أن تغادره.

أشعرني بحزن بليغ، وجعلني أتحسس سنابك الأيام تدوس على رأسي.

إنه العمر الرذيل، ومتاهة الحياة وخبايا المجهول فيها!!

وأعرفُ طبيبا يكتب وينشر يوميا وقد طوى مئة عام، ولا يزال ينافس الشباب!!

"فالعيش نوم والمنية يقظةٌ...والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ".

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم