أقلام حرة

قميص الله!!

صادق السامرائيلا أريد الدخول في متاهات فلسفية ونقاشات قد لا تعجب البعض أو تغضبهم، لكني إضطررت لوضع هذا العنوان، لكي أشير لعاهة مروعة تصادر الإرادة وتلغي العمل والجد والإجتهاد، ولا أقصد ما ربما قد يُفسر على غير ما أريد (حاشى لله)  وإنما الخير من الله والشر من البشر أنفسهم.

وقد أوصلني إلى هذا الإستنتاج ما فاجأني به أحد الأخوة المتعلمين ومن أصحاب الشهادات، حينما قال: اللغة العربية لا تحتاج إلى مَن يدافع عنها وإنها لباقية ومحفوظة بالقرآن، وكأنك لم تقرأ "إنّا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون"!!

قلت: بلى أعرفها وأحفظها، ولكن ما علاقتها بما أكتبه عن اللغة العربية؟

قال: ربنا يقول " أنا أحفظها "، فما هو دور البشر في الحفظ؟!

قلت: وكيف يحفظها؟

قال: بالقرآن؟

قلت: وكيف يكون ذلك؟

قال: المسلمون يقرؤون القرآن بالعربية!!

قلت: وهل تعني أن اللغة العربية لغة دين وحسب؟

قال: إنها محفوظة في القرآن وأنها مستمرة منذ نزوله وحتى اليوم!!

قلت:ولماذا إجتهد العرب الأوائل بوضع أسس وقواعد لغتهم، وألفوا المعاجم والموسوعات التي تحوي ما يمت بصلة للغة العربية، وإنهم يعرفون تلك الآية جيدا؟

قال وكأنه يمازحني: لأنهم لا يملكون عملا، فانشغلوا بها!! 

المؤلم في هذه المحاورة أن العرب المتعلمون صاروا لا يقدرون على كتابة عبارة أو فقرة باللغة العربية من غير إسقاطات وعثرات نحوية وإملائية مروعة، بل أن حديثهم بها صار رطنا ويميلون إلى غيرها عندما يتكلمون!!

والأكثر إيلاما أنك تستمع لخطباء معممين يتحدثون عن اللغة العربية  ويقرنون الحفاظ عليها بالآية المذكورة أعلاه، ويكتفون بذلك!!

فأين العمل؟

هل أن الله يدعونا للكسل؟

لماذا نلقي كل شيئ على الله ونبريئ أنفسنا من المسؤولية والجد والإجتهاد والغيرة الوجودية الشاملة؟

إن اللغة العربية لغة العرب، والله يحفظها بجد وإجتهاد وإبداع العرب، ولهذا حرص أجدادنا عليها،  وإن لم يجاهد العرب المعاصرون في حرصهم عليها وتطوير مناهجها والغيرة على ما يُكتب ويُنطق بها، فأنهم بعد أجيالٍ سيتحولون إلى أقوام أعاجم لسان، لا يفهمون التخاطب بلغة القرآن، وإنما سيترجمون اللغة إلى ما قد تعلموه، مِثل أي قارئ أجنبي للقرآن يردد الأصوات بالعربية، ويقرأ ترجمتها بلغته الأم.

وإذا فقد العرب الحس اللغوي والقدرة على التواصل المعاصر مع لغتهم، فأن الآخرين سيعجزون عن التواصل مع القرآن، وستصبح لغة تعبّد مبهمة.

إن الذين يرمون بمسؤولية الحفاظ على اللغة العربية على الله وحسب، شأنهم كمن يرمي ما يجري في واقعنا العربي عليه أيضا، ويتبرأ من المسؤولية، ويمعن بالإذعان والتبعية والذل والهوان، ويحسب أن الله هو المسؤول، وكأنه يريد القول بأن الله هو الذي يريد مذلة أمة محمد، ولا خيار للعرب في ذلك ولا دور!!

أيها العرب العيب فيكم، وما يحصل في دياركم من أيديكم، وما يصيب لغتكم من ضعفكم وإهمالكم، وخروجكم عن مناهج العصر، وإندحاركم في الحفر والخنادق، وإمعانكم بضلالات سوء المصير وبهتان التردي المستطير.

فالله يريدنا أن نعمل من أجل عزتنا وكرامتنا ووحدة ديننا وقوة لغتنا، وأن نعتصم بحبل وحدانيته المتين، ونستنير بأنوار فرقانه المبين، لا أن نقنط ونتكسر، ونلقي باللائمة عليه، لنحرر أنفسنا من أي دور ومسؤولية، ونخدع ضمائرنا ونخدرها بما لا يتفق وأبسط معايير وقيم ومبادئ الدين.

فحماية اللغة العربية مسؤولية عربية واجبة وأساسية للحفاظ على الهوية والدين، فلنتكاتف من أجل رفعة لغة الضاد، ولا نتوانى في وقايتها من الأضرار النحوية والإملائية والنُطقية  التي تداهمها من أصحابها، الذين صار العديد منهم من ألدّ أعدائها، ولسوء حظهم يشنون عدوانهم عليها.

فلكي يحفظها الله علينا أن نحافظ عليها ونطورها، وبحفظها يحفظنا الله، وبإهمالها ينكرنا الله!!

و "تلك سنة الله في خلقه..."!!

 

د. صادق السامرائي

2\11\2015

 

في المثقف اليوم