أقلام حرة

حيرة وهلوسة

منذ أيام وانا مربك اعيش زحمة واعياء من دون أن تكون هناك التزامات معينة أو مواعيد وبعض كآبة غير انفعالية طبعا ، انهض مبكرا واحضر عدة قمصان وسروايل لاختار منها ما يناسب هذا الصباح وتمطر سمائي تفاؤلا وحبورا وما أن أقرب كوب الشاي من فمي حتى تتكاثف غيوم الملل وتمطر اسئلة لا معنى لها:

- إلى أين؟

- لا أدري

- مع من ؟

- لا اعرف

- إذا علام العجلة والنهوض المبكر؟

- شعور مبهم لا افهمه يداهمني هذه الأيام

تصدح فيروز ..

(انا عندي حنين ما بعرف لمين)

فتعاف نفسي الشاي واعود إلى فراشي متكاسلا ضجرا

فتتسائل نجاة ..

(لمن صباي لمن؟)

فتاخذني دوامة أخرى أضيع في لجتها ارتدي أقرب السراويل والقمصان من يدي ومعطفا كان مرميا قريبا مني وأشعل سجارتي وأمسك بمفتاح السيارة واهب واقفا ويصرخ من جوفي صوت ..

- إلى أين أيها المشتت المحتار؟

فاخرسه كما يكتم الحكام والقضاة واللصوص والظلمة والسراق والولاة ضمائرهم وأخرج لا الوي على شيء وعند الباب تحاصرني طفلة بظفائر مجدولة وأسنان ناصعة البياض وبسمة تشبه ضحك الملائكة الذي سمعت عنه بسؤال لم أجد له جوابا .. (عمو انت وين رايح) ومن غير شعور رفعتها إلى أعلى وقبلت خديها وشممت رائحة الطفولة فيها فكركرت نشوى وطوقت رقبتي بيديها الغضتين وطبعت قبلة على صدغي وسالتها .. انت ذاهبة الى اين  فردت بصوت تشبه حلاوته أذان الفجر في ليالي الشتاء إلى بيت خالتي فاخبرتها اني مثلها ذاهب الى بيت خالتي فامسكت بيدي وسارت حتى باب خالتها الذي لا يبعد كثيرا عن بيتي وطرقته فاحسست بحرج كبير وانتظرت حتى خرجت خالتها فحييتها وحملت الطفلة وغادرت انا ..

ادرت محرك السيارة واتجهت إلى الشارع العام وضعت بين زحام السيارات المختلفة الاتجاهات حتى وجدت نفسي اركن سيارتي في مأرب قريب من أحد الدوائر المهمة والتي يكثر مراجعوها ودسست نفسي بينهم حتى وجدت حالي واقف بين يدي الحرس وهو يتلمس جسدي وملابسي مفتشا ثم سمح لي بالدخول وهناك على مصاطب الانتظار قضيت أربعة ساعات متنقلا من مكان إلى آخر وأجريت عشرات الحوارات المتقطعة والمبتورة والمملة مع الكثير من المراجعين حتى دعاني أحد الموظفين للجلوس أمامه وخاض معي وزميل آخر له في أحاديث عن هموم الناس ومعاناة الموظفين والدين والسياسة والفن والجمال والحاضر والماضي وبعد مرور قرابة الساعة بدأ الزحام يتلاشى والموظفين يتركون الدائرة سألني:

- هل أكملت ما جئت من أجله؟

- نظرت مرعوبا بعد أن تذكرت أني لم اجيء لهذه الدائرة مراجعا وقبل أن أرد أردف هو .. لا عليك دقائق ويبدأ الدوام المسائي ، ودعته ومشيت بين المغادرين وعند الباب الخارجي استعانت بي امراة للوصول إلى السيارات وبدأت تكلمني عن ماانجزته اليوم في مراجعتها فداخلني خوف من مبادرتها لي بسؤال وعرضت عليها إيصالها إلى بيتها فوافقت فورا وفي الطريق توقفت عند مطعم للاكلات السريعة ودعوتها للنزول لكنها اعترفت أنها جائعة ولارغبة لها في الجلوس داخل المطعم فأتيت بطعام لها ولي وتوقفنا على ناصية الطريق بعد ابتعادنا عن المطعم وتناولنا طعامنا مثل اي عائلة أخرى وسط أحاديث متقطعة لم تسألني عن اسمي أو عملي ولم أسألها وبعدما اوصلتها إلى بيتها نزلت وشكرتني ذاكرة اسمي وضعت في زحام الشارع .. وهكذا تضيع ايامنا

***

راضي المترفي

 

 

في المثقف اليوم