أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: المنظومة الرسمية العربية.. ما الذي قدمته لأوطانها وشعوبها؟

ان المنظومة الرسمية العربية؛ كان بامكانها تماما، طبقا لإمكانياتها؛ ان تكون قوة دولية ذات وزن في موازنة العلاقات الدولية؛ يحسب لها ألف الحساب. إذ اغلب واهم الممرات البحرية والبرية وما إليهما، على بحارها واديم ارضها، اضافة الى ان انها غنية ليس بالنفط والغاز فقط، بل بالمعادن والثروات الأخرى الموجودة تحت هذه الارض، اضافة الى  حجم سكانها، الذي تجاوز ال 400مليون نسمة، وجغرافيتها القارية.  لكن اي من هذا، لم يكن لها وجود، بل ان العكس، كان الصحيح. فقد ظلت المنظومة الرسمية العربية خلال اكثر من قرن؛ تعقب خطوات هذه الدول العظمى او الكبرى. ان الانظمة التي حكمت ولاتزال تحكم الدول في المنطقة العربية؛  لم تستخدم وتفعل هذه الامكانيات، او هي لم تريد اصلا،  او لم تبذل جهدا كافيا وخلاقا ومبدعا، كما بقية الامم على وجه الارض؛ التي كانت يوما ما، ليس ببعيد عن الوقت الحاضر؛ تعاني من الفقر والجوع والحروب الداخلية، والاحتلال والسيطرة الاستعمارية، لكن انظمتها لاحقا بعد التحرر من الاستعمار والاحتلال، وانتهاء الحرب الاهلية؛ بذلت كل جهدها واستثمرت جميع امكانياتها؛ لتكون دولة عظمى واخرى كبرى، الصين والهند. لقد كانت الارض العربية، فريسة او ميدان لتدخلات القوى الدولية الكبرى في العالم، والقوى الاقليمية المجاورة، ليس الآن فقط، بل قبل الآن بعدة عقود ان لم اقل اكثر كثيرا. هذه التدخلات كانت ولاتزال لصالح مصالح هذه القوى الدولية والاقليمية، وليس لمصالح الشعوب العربية واوطانها، باستثناء مصالح هذه الانظمة التي كانت، القديم منها والجديد؛ تثبيتا وترسيخا لحكمها. صحيح ان الامبريالية العالمية ودولها الاستعمارية، كانت ولم تزل  قد خلقت وتخلق الى الآن؛ الكثير من العراقيل والمطبات، والكثير من المؤامرات، لكن هذا كله لا يعفي هذه الانظمة من مسؤوليتها التاريخية في ضياع كل فرص التطور والتنمية ووحدة الصف سواء داخل كل بلد عربي او على صعيد وحدة الصف العربي في مواجهة هذه القوى الاستعمارية الامبريالية، بل ان مسؤولية هذه الانظمة هي مركز الثقل في نجاح هذه التوغلات في الجسد العربي سواء على صعيد الوطن الواحد او على صعيد جميع الاوطان العربية؛ فهي انظمة اما دكتاتورية مستبدة، او انظمة ثيو قراطية، او انظمة دكتاتورية ثورية ومستبده؛ تقاتلت ايديولوجيا وسياسيا ومخابراتيا مع بعضها البعض؛ إنما هي جمعيها، في النهاية، تقع في ذات الخانة. لقد حكمت هذه الانظمة ولم تزل تحكم الشعوب العربية بالحديد والنار وبالسجون وتكميم الافواه، مما قاد الى الفشل والاخفاق بفعل مفاعيل الحاكم العربي؛ في تأسيس قاعدة مجتمعية واسعة افقيا وعموديا، سياسية وثقافية وفكرية؛ تنهض بهذا التفاعل والانفتاح والتطور؛ بفتح طرق ومسارات لكل هذا، بمشاعل التنوير، الذي يشكل رافعة لتطور الدول العربية وشعوبها. لقد ظل المتنورون خلال اكثر كثيرا من نصف القرن العشرين، والى عقود القرن الحادي والعشرين المنصرمة، حتى الآن؛ يحملون المصابيح، وهم يدورون بها في الازقة والدروب، خوفا من البصاصين، وبطشهم في ليل العتمة العربي؛ كي يضيئوا للشعوب؛ المسار الى الحرية والحقيقة والتطور الحق وليس القشور التي بها، المخادعون والمأجورون؛ خدعوا ويخدعون بها الشعوب العربية حتى اللحظة في تخادم مصلحي ونفعي تبادلي بينهم وبين عروش سلاطين العرب. أن المتنورين من القوى السياسية الحية، او من حملة الافكار والرؤى المهتمة بنهوض وتطور الشعوب والاوطان العربية، الذين حملوا على اكتافهم وعلى طرف لسانهم وبأقلامهم وبأذرعهم في ميادين النضال والكفاح؛ هموم الناس والاوطان؛ قد كبلت تحركاتهم بأصفاد الحاكم العربي على مدى زمن امتد لأكثر من ثلاثة ارباع القرن والى الآن. ان هذا قاد حكما على ان يكون هناك بون شاسع بين النظام الحاكم والشعب. ان هذا هو من دفع الأغلب من الأول؛ للبحث عن الدعم والحماية؛ من القوى العظمى  من ثورة الشعب. ان هذا الدعم والحماية ليس بلا ثمن بل ان الاثمان فيه باهظة جدا، على صعيد السيادة والقرار المستقل في الاقتصاد والسياسة وما هو ذو صلة بهما. ان الاغلبية المطلقة من الحكومات العربية؛ أخضعت شعوبها وهي تخضعها الى الآن؛ لمقتضيات هذه اللعبة الدموية والمدمرة، للوطن والشعب، القديمة، الجديدة. ان هذا كله يجعل هؤلاء الحكام يبحثون لهم، عن ملاذ أمن، لهم ولنظامهم، من غضب الشعوب يوما. بدلا من ان يتصالح هؤلاء مع شعوبهم؛ بفتح طريق الحرية والتطور لهذه الشعوب، التي، ان تم لها هذا الطريق فهي الضمانة والحامية للنظام وللوطن وللشعب ايضا، وليس القوى الاستعمارية سواء الدولية او الاقليمية. لكنهم ظلوا الى الآن؛ يحتمون من انفجار شعوبهم تحت القواعد التي تحمل كراسي عروشهم؛ بالقوى الاستعمارية الامبريالية؛ من انفجار ثورات شعوبهم عليهم، ومن اطماع الجوار في ارضهم ووطنهم. هذه القوى الدولية لها مصالحها التي هي في المنطلق والنهاية والاهداف؛ تخدم شعوب هذه القوى الدولية، وتخدم ايضا في تلازم متوازي؛ خططهم في المنطقة العربية وفي العالم، على حساب مصالح دول وشعوب المنطقة العربية، وحتى جوارها الاسلامي. هذه الطريقة في تعامل الاغلبية المطلقة من الانظمة العربية مع شعوبها ومع القوى الدولية والاقليمية؛ ليست وليدة اليوم، بل انها، كان قد مضى عليها ما يقارب القرن من الزمان، ولا تزال الانظمة تعمل بها على الرغم من كل النكبات وضياع فرص التطور؛ حتى صار الاغلب الاغلب من النظام الرسمي العربي الذي يحكم الاوطان العربية؛ يستعين بالقوى الاستعمارية الامبريالية، سابقا وحاليا؛ طلبا للحماية  ودرء الاخطار المحدقة بها، وبأوطانها وشعوبها. لقد تصارعت الانظمة العربية مع بعضها البعض، بصورة واضحة ومكشوفة مرة ومرات بصورة خفية وسرية، لكنها في الحالتين ظلت في صراع مستمر؛ مما نتج عنه حكما انعدام الموقف العربي الموحد في مواجهة التحديات.

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم