أقلام حرة

إعمال العقل وفعل القتل!!

صادق السامرائيمَن يطلع على الصراعات التي نشبت بين المسلمين منذ الفتنة الكبرى وما قبلها وحتى اليوم، يكتشف أن إعمال العقل في الموضوعات الدينية تسبب بنشوء الفرَق والجماعات والمذاهب والطوائف والتحولات الدامية.

فمن أهم أسباب الفظائع والشنائع المرتكبة عبر مسيرة الأجيال بروز بعض الذين وظفوا عقولهم في النظر بالنصوص الدينية وتأويلاتهم وتفسيراتهم، وتصوراتهم وهذيناتهم وقراءاتهم لما هو غيبي وغير مُدرك، وكلٌّ يرى قد أمسكَ بالحقيقة المطلقة وعبّر عنها بأسلوبه، وأنه على صواب وغيره على خطأ، وأعطى لنفسه حق التكفير وهدر الدم والقضاء على الآخرين بإسم الدين الذي يدين به وبه يدينون.

ولا ضير في إعمال العقل إذا أدركَ صاحبه أنه يمتلك قدرات نسبية، وما يأتي به فيه نسبة من الصواب والخطأ، ولا يمكنه أن يدّعي غير ذلك، أي أن عليه أن يقبل بما يرى العقل الآخر أيضا، فالنسبيات تتقارب وتتفاعل والمطلقات تتماحق.

وهذا النهج المضطرب تعبير عن عاهات نفسية وآفات عقلية فاعلة في الرؤوس والنفوس، ويكون لها تأثير مدمر على الذين يتحولون إلى أصداء وتوابع لتلك الأدمغة السقيمة والنفوس العقيمة.

ووفقا لهذا السلوك المنحرف، البعيد عن العلمية والمنهجية الفكرية الصالحة للحياة، إنطلقت مسيرة الأمة في منحدراتها وتداعياتها، وهي التي بدأت قبل غيرها في الإمساك بالإرادة العلمية والنظريات المعرفية المساهمة ببناء الحضارة الإنسانية، لكن إنزواءَها في الموضوعات الدينية والغيبية وتوهمها القبض على حقيقة مطلقة،  تسبب لها بخيبات وإنتكاسات متراكمة تحصد الأجيال المعاصرة أكُلها، وتعاني من مآزقها بإسم الدين الذي وأدته وحولته إلى عمامة ولحية، وأصنام آدمية تتعبد في محاريبها، وتتبع فتاواها، وتمضي منومة مخنعة بلا إرادة ولا قيمة ولا قوة وقدرة على الإجتهاد والعمل الصائب الصالح لبناء الحياة.

بل أنها تحوّلت إلى قوة مضادة للوجود الإنساني وعالة على الحياة، لأنها قد تكبّلت بما لا يتوافق مع مكانها وزمانها.

فهل لها أن تفيق وتحقق إعمال العقل بالعِلم لا بالدين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم