أقلام حرة

التقاربُ العراقي السعودي

قاسم محمد الكفائيزار رئيسُ وزراء العراق مصطفى الكاظمي عاصمةَ المملكة السعودية الرياض والتقى المسؤولين فيهاعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان بمبادرة منه من أجل التقارب وتوطيد العلاقات الإقتصادية، والإستثمارلإنعاش الإقتصاد العراقي، ورفع المعاناة التي يواجهها الشعب، وحل مشاكل ميزانية الدولة.

المتخصصون والمثقفون العارفون بالعلاقات الدولية يفهمون حالة واحدة لن تتعدد، هو أن الدولة التي ترغب بالتعاون مع دولة أخرى يجب أولا أن تبرر هذه الرغبة على أرضية خصبة وسليمة وخالية من العثرات، فلا يجوز الشروع ببناء حائط في مستنقع أسن ما لم يتم ردمه والتخلص منه بتفاهمات وشروط اللاعودة للعدوانية.

الذي بيننا نحن العراقيين وبين السعودية مستنقعٌ أسِنٌ لا يُمكن تجاوزه والسكوت عنه كانت المؤسسات الإستخبارية والدينية السعودية قد أنشأته وما عليها إلا أن تتحملَ كلَّ تبعاتِه. هذا المستنقع السعودي تأسس على مرحلتين: الأولى في عام  1980 عندما دفعت السعودية صدام حسبن نحو الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية الفتية فكان همُها (كمشروع إسلامي مخالف لمشاريع وتطلعات أمريكا والصهيونية) إسقاطها أو تحجيم حركتها وتفتيت قواها بدوافع طائفية ترتبط بالمؤسسات الوهابية في الداخل السعودي ودول الخليج الأخرى. لقد تكلفت المملكة السعودية إضافة لمشاركاتها اللوجستية عشرات المليارات من الدولارات بتبرعات سخية غرضها إستمرار الحرب وإلحاق أكبر الخسائر بحق الدولتين المتحاربتين، العراق وإيران. نجح هذا المشروع التدميري وكلف العراق أكثر من مليون من القتلى والجرحى وتدمير البنى التحتية، وغيرها من الخسائر التي لحقت بالمجتمع والدولة. في حينها كان العالم المتحضر الذي يرعى حقوق الإنسان والديمقراطيات يراقب شراسة الحرب ويدعمها برضاه عن حكومة آل سعود ويرعاها بدعم لوجستي مكثف.

أما المرحلة الثانية فكانت مرحلة داعش ما بعد عام 2003 حين سقط نظام حكم صدام حسين ونهض العراقيون بنظام حكم جديد في العراق على قدر من الشرعية مما أثار حفيظة السعودية ودول الخليج بولادة نظام ديمقراطي جديد يفضح تلك الحكومات المنتهية الصلاحية دستوريا ووطنيا.

الحرب التي شنتها السعودية على العراق هي بالوكالة وطائفية بامتياز كان جنودها من المجاهدين المتحمسين لقتل الرافضة بذريعة مواجهة الجنود الأمريكيين المحتلين للعراق والبيئة التي تحتضنهم، متناسين ومتغافلين القواعد الأمريكية في بلادهم التي فيها عشرات آلاف الجنود، لم يمسسهم شر ولا خوف، أو الإعتراض على وجودهم في بلاد الحرمين ولو بكلمة صدق.

كانت المساجد الوهابية والجمعيات في عموم المملكة تحرِّض وتجنِّد وترسل هؤلاء المجاهدين الى الداخل العراقي بترتيب وانتظام بدفع عقائدي، وبتمويل مالي تقوم به تلك الجمعيات الوهابية على مرأى ومسمع ورعاية حكومة خادم الحرمين.

لقد تسبب هؤلاء المجاهدين الوهابيين السعوديين بتخطيط وإيعاز دائرة المباحث في الرياض بقتل مئات الآلاف من العراقيين المدنيين بتفجيرات في الأسواق والشوارع وتدمير الأماكن العامة الأخرى، وتعطيل حركة البلاد مما تسبب بتأخير عجلة الإقتصاد.

داعش فتكت بالبلاد في ظل حكومة عراقية (غشيمة وفاسدة) تعاقبت في زمن الضياع والنهب واللامسؤولية.

فالأضرار التي لحقت ببلاد الرافدين جراء الهجمة الوهابية السعودية ظهرت ذاتها على أرض الشام وفعلت بأهلها ما يشفي غليل آل سعود وإسرائيل.

وخلاصة القول، أن التقارب الذي شرع به رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي باتجاه آل سعود يعني به منفعتة الشخصية بتقوية عوده اللين في الحكم إن لم تكن معادلة فاشلة تنعكس سلبا على واقعه الضعيف بقراءة مغلوطة للواقع العراقي في الداخل والخارج لأن التقارب هذا لا يندرج في مصلحة العراق وشعبه ولأن الجراح التي وضعتها السعودية في كبد العراقيين لمرحلتين لم تندمل بعد ولن ُتشفى بالتقادم حتى تتوفر الظروف المناسبة بتقديم إعتذاراتها للشعب العراقي ودفع ما يترتب عليها من تعويضات لا تقل قيمتها عن نصف ترليون دولار كحد أدنى من الحصة المفروض عليها دفعها، ناهيط عن الدول الخليجية الأخرى التي نالت من العراق في تلك المرحلتين.

إذن...الفائدة المرجوة من التقارب المغلوط لا تساوي عشر التعويضات أو أقل، ثم أين الكرامة والوطنية، وأين الحنكة السياسية؟

كذلك لمسنا من الكاظمي أنه غفل أو تغافل عن الجانب القومي وفقد البوصلة ليستقر به الضياع الى مملكة داعش والتطبيع ونشر الحروب ودعمها.

هذا اليمن يحترق بقنابل الطائرات السعوديه لأكثر من خمسة سنين، مرة بعاصفة الحزم وأخرى عاصفة الأمل وأخيرا عاصفة (اليأس). المطلوب وقف الحرب نهائيا وإنسحاب جيشها من اليمن تماما كي يستريح اليمنيون ويعود الملايين لمدنهم وقراهم ليقرروا مصيرهم بأنفسهم وفق نهج ديمقراطي حر ونزيه.

ومن جرائم المملكة في سورية العزيزة أنها دفعت بالإرهاب الوهابي اليها فقتل عشرات الألوف من أبنائها وأحرق مزارعها مما أضر باقتصادها بشكل مباشر، كذلك تهجير الملايين من السوريين وتشريدهم، وما زال التمويل السعودي يتدفق على الإرهاب الوهابي داخل أجزاء من سورية بعد تحرير كل أراضيها بسواعد جيشها والمدافعين بمسؤولية من أبنائها.

المملكة أيضا هي من تدير مشروع التطبيع مع إسرائيل وترعاه مخالفا لتطلعات الواقع الفلسطسني والمقاومة ومشاريع التحرير والإجماع العربي والإسلامي.

فهل فتح الكاظمي في الرياض ( وهو أضعف الإيمان )، هذه الملفات، وهل فرض على حكومة آل سعود تصفير كل المشاكل التي تضر بمصالحنا القومية وأمننا وثوابتنا..؟

ما ندعيه هو ليست أحلاما ولا مجرد تمنيات وإنما ثوابت مجتمعنا العراقي هي التي تفرض نفسها على الواقع فتجرم حكومته أو تحسن من صورتها مما يحدد نشاط الكاظمي المشبوه ويسحب من تحت قدميه بساط الشرعية والمنصب ووكالة الشعب الممنوحة له.

الذي يتوجب عليه وهو أضعف الإيمان أن يدافع عن هذه الدول الشقيقة التي ترتبط مصالحها بمصالح العراق، ومستقبله وتطلعاته فيفرض على حكومة آل سعود بندا ما قبل التقارب والتصديق عليه وقف المساعدات نهائيا عن كل أشكال الإرهاب، كذلك وقف الحرب على اليمن، ووقف التطبيع، وبحث كل الإشكالات التي تمنع التفاهمات مع إيران لعودة العلاقات الطبيعية كونها تمس مصالح العراق الإستراتيجية.

إذن، الشعب العراقي لم يسلك منهجا نحسا ينتفع به على حساب أشقائه. كما لمسناه من سيادة رئيس الوزراء خلال زيارته الى الرياض أنه نحسا لا يعي مصلحة العراق الحقيقية، ومصالح أشقائه المتشابكة في الدول المتضررة الأخرى

كون الإرتماء بالأحضان السعودية والتوجه بعلاقات ومشاريع مع مصر والأردن يشير الى شعوره بالضعف والحاجة الى مقومات البقاء في منصبه، ومن أجل محاصرة إيران وتقويض كل نشاطاتها في المنطقة، وتقطيع أوصال محور المقاومة العراقية، وإخلاء الساحة من حواجز إقامة التطبيع مع إسرائيل. بهذا الوصف يعتقد الكاظمي أنه سيحقق حلمه وتطلعاته رغم الصعاب والمعوقات مستقويا بجنسيته البريطانية، وتفاهماته مع أمريكا وفرنسا.

عجيب أمر حكام العراق ( شواذي وطراطير) صعب الإعتماد عليهم حتى يأذن الله بحاكم قاس وشديد بعدالته ووطنيته.

فلو أدرك هذا الكاظمي جيدا أن التقارب مع الرياض بهذا الحجم والتوصيف لا يمكن تمريره، وأن مشروع الإستثمار الصيني المزمع تعاقده وتفعيله هو(المشروع الناجح) وبالإتجاه الصحيح، عليه أن يدرك أيضا أن طعم (الفول مدمس) في زمن القائد جمال عيد الناصر قد تغير اليوم، وأن ( كلابية) مصر الأمس التي كانت تتغنى بها قد فقدت اليوم هيبتها.

 

 كندا/ قاسم محمد الكفائي 

 

 

في المثقف اليوم