أقلام حرة

الإمارات نموذجا

قاسم محمد الكفائيحالةٌ غيرُ مسبوقةٍ على الإطلاق حتى في دولِ الغرب أن تُعدِّل قوانينهَا لمنح الجنسية للأجانب بالطريقة التي أقرَّتها حكومةُ الإمارات منحَ إسرائيليين صهاينة جنسيتهَا الوطنية بمُسَميات الإستثمار والكفائات والفن، ورجال الأعمال. جاء هذا القرار على خلفية التنسيق السياسي والإقتصادي والثقافي ما بين الكيانين الإماراتي والإسرائيلي في ظل حالة التطبيع القائمة، وفي غياب الكرامة والعروبة، والمأساة التي تعانيها دولنا خصوصا أهلنا في فلسطين.

هذا التصرفُ المحسوب خطئاً لن يحققَ الهدفَ المَرجو لحكومة الإمارات في المستقبل البعيد والمنظور سوى هيمنة سوق المال الصهيوني على سوق المال الوطني واستحواذهِ على الأرض، وجعلِ مستقبل المواطن الإماراتي يسبح في عالم المجهول، وأخيرا طرد عائلة آل زايد من مواقعِهم الرسمية لإستبدالهم بحكومةٍ تنسجمُ والواقعِ القادمِ الجديد. كذلك باقي الحكومات المطبِّعة في السعودية والبحرين وعُمان التي تعتبرها المنظمةُ الصهيونية مُنتهيةَ الصلاحية، لا يُمكن لها أن تستمرَّ سوى أن تستفيدَ منها في هذه المرحلة التي تحسَبُها إسرائيل مرحلةً حاسمةً لتثبيتِ موقعِها الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وصولا لتحقيق الحلم الصهيوني الأكير. فعملية التجنيس هي حالة إنتحار سياسي قبل أن تكون حالة تطبيع وتقارب ورضوخ لأوامر أمريكية صهيونية.

على المدى القريب فقد نجَحت المؤسساتُ الإعلامية الصهيونية في توجيهِ الرأي العام العربي والرسمي من أن إيران هي عدوُ العرب التقليدي وخطرُها قائمٌ ومؤثرٌعلى الواقع الأمني والعسكري والسياسي لدول الخليج فتساوى عنصرُ الرضوخ والعَمالةُ والتبعيةُ مع عنصرِ الرُعب الذي دخل في قلوبِ ونفوسِ حكامِ هذه الدول مما دفعَها للتسليم المطلق وتنفيذِ المُخطَّط الصهيوني الكبير في جعلِ المنطقة حلبةَ صراعٍ دائمٍ، وقاعدةِ بياناتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ تمهيدا لتنفيذ ذلك المُخطَّط على أن تكون كلّ بنودِه تصبُ في مصلحةِ الكيان الإسرائيلي وبلوغةِ الى حد الهيمنة والتسلط.

إن اشتباكَ المصالحِ المشروعة ما بين إيران ومحورِ المقاومة في سورية والعراق ولبنان واليمن، وفي الدولةِ الفلسطينيةِ  المحتلة، كذلك الشعبِ العربي لم ولن تتجزأ على حدودها الجغرافية بقدر ما هي كتلة واحدة تتقدَّم باتجاه الضرر ولن تتراجع لصد مثل هذه التجاوزات الخليجية وما ينتج عنها من إرهاصاتٍ أمريكيةٍ إسرائيليةٍ غربية، لأن التجاوزَ يعني التهديد بالمطلق للمعتقد والهوية القومية، وهدرا للكرامة وصولا لمسح كلمة (فلسطين) من جميع البرامج التعليمية التي يحصل عليها الطالبُ العربي في المدرسةِ والمعهدِ والجامعة. ومن تفاهاتِ الوَهمِ الخليجي أن أمريكا هي الدولةُ العظمى، ستحميهم وتوقرَهم في ظلِّ الهرولةِ والتطبيعِ والإستسلام، بينما حكومةُ إيران وقَّرَت شعبهَا ودولتهَا بقوتِها الذاتية واستقلاليتها وعنفوانها وقد مدَّت يدّها بتواضعٍ ورغبةٍ لدولِ المنطقة بلغة الدين والتوقير للآخرين. 

فأمام مظاهرِ الفزع الخليجي، وعمليةِ التطبيع، وحالاتِ التقارب من المعسكر الصهيوني، والخدماتِ المجانية الكبيرة التي تقدَّمُ الى إسرائيل هناك فرصةٌ مَرجوَّةٌ يمكن لأيران فيها أن تقدمَ خياراتِها المُطمإنه بضمان ملموس لهذه الدول تحت غطاء الدين والهوية والأخوَّة ومستقبل فلسطين والمنطقة بعد بسط ما بنود الضمانات على طاولة التفاهمات، وفضحِ ملامحِ المشروعِ الكبير الذي تبنته الإدارة الأمريكية لتنفيذه في المنطقة الذي لا يصبُ في مصلحةِ ومستقبل شعوبِها، ولا حكامِها، الذين توهَّموا ببعض مظاهر الإحتفاء الأمريكي الإسرائيلي لهم بينما الفكرُ الإستراتيجي الصهيوني لا يمكن تفسيره على أساس تلك المظاهر وإنما على أسسٍ عميقةٍ ومتزاحمةٍ في المصالح السياسية والمُبررات المغلوطة.

في توصيفاتي الشخصية لو أن هذه الحكومات إستمرت في غَيِّها وتعاظمَت أخطائُها وتمادَتْ فإنها لا تحصد غير الخسارة والهزيمة عندما تشبُ نارُ الحق في أبراجِها وقصورِها ولن تجدَ من مُخلفاتِها سوى الرمادِ والدُخان. ومن عوامل تغييرالحكومات هو تدميرُ أواطنِها، وضياعُ مستقبلِ شعوبِها حينما تكون هي المسبب ما بين غفلتِها أو تغافلِها عن كل ما يهتم باالعقيدة والإنسان والوطن وبالأخوّة حفاظا على مستقبل ومصالح الغرباء أمثال النتن ياهو وكوهين وكوشنر، بينما دولُ الإستكبار تفعلُ ما يتناسب ومصالحِها بعيدا عن تأثيراتِ ومصالحِ أهلِ (الدشاديش والجوتي).  

 

قاسم محمد الكفائي

 

 

في المثقف اليوم