أقلام حرة

صادق السامرائي: المتاجرة بالأنبياء!!

صادق السامرائيالبشرية منذ إنطلاق مسيرتها العاقلة إزدحمت بالأنبياء وبمفاهيم النبوة، التي تطورت حتى بلغت ذروتها في القرن السابع الميلادي.

ويشترك الأنبياء إلا فيما ندر، بأنهم يقاسون ويلاقون الصعاب، ويتم قتلهم أو نفيهم، والتخلص منهم بشتى الأساليب الممكنة في حينها، ويحملون أفكارا تنويرية ودعوات للمحبة والألفة، والتعبير الأصدق عن الإنسانية، وكل حسب وعيه وإدراكه، ولأن الأفكار التي يأتون بها لم يسبق للبشر وعيها والنظر فيها، فأنهم يُحسَبون على المنبوذين وفيهم مسّ جنون، وما يدعون إليه يُنسب لقوة ما ذات مسمى تنوع وتعدد على مر العصور.

والنبي شخص يأتي بأفكار جديدة ويعمل على تجسيدها والإيمان بها، وحث الآخرين على إستيعابها وفقا لقدراته الإقناعية وذكائه، وما يمتلكه من مهارات إجتماعية وقيادية، وبعضهم أفلح وتسيّد، ومعظمهم خابوا وأصابهم المرير من المصير، فالأنبياء الذين تمكنوا من البروز والتأثير أقل بكثير من الذين فشلوا.

 والذين إستطاعوا أن يؤثروا في المجتمع ويتقلوه من حالة إلى حالة، تحقق الإستثمار التجاري والنفعي فيهم، وصارت حياتهم أساطير وخرافات، ذات قدسية مطلقة، يتوجب على الناس أن يؤمنوا بها ويقروا، وتكون كلماتهم وتصرفاتهم ذات كينونة فاعلة في مصير الأجيال.

ومهما حاول الأنبياء البارزون إقناع الآخرين بأنهم بشر وحسب، فجهودهم تذهب سدى، فهم الذين يجب أن تُضفى عليهم الصفات والقدرات الخارقة، التي لا يمكن لبشر أن يتمثلها ويعبر عنها، أي أنهم يتحوّلون إلى لوحة يُكتب عليها ما لا يمكن تحقيقه في الدنيا، ولهذا يكون التحقق المطلوب في الآخرة، أي بعد الموت، ولكي يفوز البشر بالآخرة المتصوَّرة عليه أن يمعن بالتقديس والتعظيم، حتى يصبح الأنبياء حالة ذات تأثيرات عاطفية وإنفعالية وإنتمائية وإيمانية، ولديهم الأجوبة المطلقة على الأسئلة الغيبية، التي تمخر وعي الإنسان ولا وعيه.

والعلاقة ما بين الأنبياء والبشر تتعمق كلما إزدادت المسافة الزمنية بينهما، لأن التقديس المتراكم يؤدي إلى حالات تفاعلية تفوق الخيال والتصور، فيكون تفاعل الأجيال المتأخرة أشد قدسية وإنتماءً للأنبياء من الذين عايشوهم أو تفصلهم عنهم بضعة عقود.

أي أن الإيمان بالأنبياء وقدراتهم المتصورة والمتعاظمة تراكميا، تتزايد مع الزمن، ويترتب عن ذلك نشوء رؤى ومعتقدات تتصل بها ولا تمثلها، وتستخدمها لتحقيق ربحية عالية، وإستئثار بالحياة الدنيا على حساب الذين يضللونهم بالأفكار والطروحات التي تناولوها، وما يهدفون إليه هو المتاجرة بالأنبياء وإستلاب الناس حقهم في الحياة.

ومن الواضح أن معظم  الأنبياء لم يتركوا أبناءً، فالقدسية المطلوبة تتركز في شخص واحد ولا يمكنها أن تتمدد عنه، لأن في ذلك توريط للبشرية في صراعات وتفاعلات مدمرة،  فإرادة الحياة تتطلب التقليل من عدد المقدسين، وإلا يصبح التقديس عائقا لها.

فكلما زاد عدد الأشخاص المقدسين تعضلت الحياة وتعطلت، كما في بعض المجتمعات التي تستثمر بالمقدس وتطوره، وتسعى لتحويل الحياة العامة إلى تفاعلات وطقوس للتعبير عن التقديس، وبذلك تجني أرباحا وهي العاطلة والمُعطلة للعمل.

ترى هل حقا هناك بشر مقدس، أم أن البشر يعيش وهْمَ القدسية للتعبير عن الخوف من الغيبية؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم