أقلام حرة

صادق السامرائي: أبو العباس السفاح لم يؤسس دولة!!

دولة بني أمية تآكلت من داخلها، لأنها توسعت بسرعة وفقدت القدرة على الإدارة الراجحة في العديد من الولايات التي أصبحت بعهدتها، فكانت شاسعة الأطراف، والتواصل بين الولايات ومركز الحكم في دمشق ضعيف وبطيئ، وإتخاذ القرارات يأتي متأخرا وغير صائب.

وبتراكم التداعيات وتناثر الأقاليم والولايات، والسطوة العربية التي تأبى مشاركة غير العربي بالحكم، إنكمشت قوة الدولة، وتعاقب عليها خلفاء ضعفاء إنشغلوا ببعضهم، فتهاوت وتناخرت من داخلها، فكانت ضربة أبو مسلم الخراساني القشة التي قصمت ظهر البعير، فاتخذ من بني العباس رمزا للدولة الجديدة، وكانت مبايعة أبو العباس السفاح ضمن هذا المشروع الإمبراطوري المنتظر.

وأضفيت عليه صفات ومميزات، ورفعوه إلى مقامات لا بشرية، فصارت الإمرة له، والدولة دولته، وهو صغير العمر قليل الخبرة والثقافة، فما وجد بداً من إعمال السيف بالعرب المسلمين، وببني أمية ومَن معهم، حتى قتل عشرات الآلاف منهم في بضعة أيام، فكان السيف منهجه.

وكادت دولة بني أمية التي ورثها أن تتفتت، لأنه إنهمك بالقتل والمروع والتطهير العرقي، الذي إجتثهم من جذورهم.

ولو إستمر في الحكم لسنوات لما بقيت دولة بني العباس لعقد أو يزيد.

لكن وفاته المبكرة كانت سببا مهما في نشأتها وإنطلاقها، إذ جاء بعده وحسب وصيته أخوه الذي يكبره بسنوات، أبو جعفر المنصور، المؤسس الحقيقي للدولة، وواضع حجر أساسها المتين.

أبو العباس السفاح، يبدو وكأنه يتمتع بمميزات الشخصية العدوانية السايكوباثية التي تتلذذ بقتل الآخرين، وسفك الدماء، ولا تشعر بحساب ضمير، أو أنها بلا ضمير، فكان منهمكا بالقتل الفتاك، وممعنا في إبادة الأموين، وعزز سلوكه المتوحش الذين أوهموه بأنه ينفذ أمر الله فيهم.

وطغت الإنتقامية العمياء على سلوكه طيلة سنوات حكمه الدامي السادي الطباع، وتآزر معه ذوي العاهات النفسية والسلوكية، فتحولت دمشق إلى ميدان لمجزرة بشرية مروعة، فما فعله بأهل دمشق ربما لا يختلف عما فعله هولاكو بأهل بغداد فيما بعد، وكأن بداية دولة بني العباس تطابقت مع نهايتها، وكأن الإرادة الإلهية تفرض قوانينها على الباغين ولو بعد قرون.

فما جرى في عهده لم يكن تأسيس دولة، بل تدمير ما هو كائن، وللذي يجب أن يكون ويتحقق، وبقي أبو مسلم الخراساني المحافظ على عمود الدولة الفقري، ولولاه لما بقي لها أثر بعد موت السفاح، وهذا الإبقاء على الدولة وصيانتها والتمكن فيها تسبب بقتله من قبل أبو جعفر المنصور، الذي وجد أن الدولة ستنتهي حتما إذا لم تكن الإمرة المطلقة بيده.

أي أن أبو جعفر المنصور رمم ما خربه السفاح بعدم حكمته وسلوكه الدموي، الذي أوشك أن يقضي على الإرادة العربية ويسلم الراية للآخرين.

فالغيرة العروبية والحرص على الدولة والسلطان، وإعادة ترميم الأركان ربما كانت وراء ما فعله المنصور بالخراساني، صاحب الفضل الأول في قيام دولة بني العباس، لكنه على ما يبدو وجد نفسه بعد ما فعله السفاح من مآثم وخطايا، عليه أن يكون السيد المطاع.

إن دور السفاح التخريبي والتدميري للدولة لم يدرس بتفصيل، وتواصل المؤرخون بالكتابة عنه على أنه حالة أخرى متصورة، وهو أول قادة التطهير العرقي في تأريخ الأمة!!

والذي قتل من العرب ما لم يقتله أحدٌ قبله، فروح الإنتقام كانت متأججة فيه، وما هدأت حتى نال حتفه بمرض الجدري أو غيره، وهو في عمر السابعة والعشرين!!

سيعترض الكثيرون عما تقدم لأن التأريخ معظمه مكتوب بمداد الكراسي!!

***

د. صادق السامرائي

27\8\2021

في المثقف اليوم