أقلام حرة

المصطفى سلام: تفريغ الحدث من ثقله..

المصطفى سلامتضرب الأعياد عميقا في تاريخ الإنسانية، إذ لها جذور ميثولوجية في الغالب من خلال كونها مظهرا من مظاهر الطقوس. وقد تلونت بمظاهر دينية أيضا – إسلامية وغير إسلامية ـ توحيدية وطوطمية -  كما اقترنت بتغييرات فصول السنة الدورية إلى جانب العادات والتقاليد الاجتماعية والأحداث التاريخية ....

لازلنا نتذكر العيد وأجواءه من خلال البهجة والفرحة اللتان كانتا تسبقانه مبشرة بقدومه.. لازلنا نتذكر استعدادات النساء البسيطة له والدالة أيضا عنه : تزاورا، تنظيفا وتطهيرا، تسامحا وتشاركا في أعمال منزلية مختلفة ...يخلق هذا الجو نفس الإحساس بالسعادة وبقيمة المناسبة وبثقل الحدث ورمزيته ...نسمع عن قدومه في التحايا وأغاني المذياع : يا ليلة العيد لأم كلثوم .. وأي شيء في العيد أهدي إليك لناظم الغزالي ....

مع وسائط التواصل الحديثة، ومع حمى السباق التجاري: من يبيع أكثر؟ والعيد مناسبة للعرض، والإشهار آلة غازية تغزو الروح والقلب والعقل ...تعرض القروض والملابس والسيارات والأضحيات.. تعرض العيد افتراضا واقتراضا ...

الآن لم نعد نعيش الحدث بتفاصيله وما يحدثه من مشاعر وعواطف وتمثلات نفسية وذهنية ولكن نحياه بعبوره فقط : العيد حدث عابر ليس إلا . كان الاحتفال قبلا وخلالا وبعدا . الآن الاحتفال افتراضيا والحديث عن العيد زمنا قبل حينه تفريغ له من حمولته ودلالاته ...فيكون الاحتفال عابرا مثلما هو العيد حدث عابر ..

الوسائط تخبرك بالعيد ولا تخبرك عن العيد، لا تجعلك تحتفل وتحيا الحدث، بقدر ما تسعى إلى جعلك مستهلكا لبضائع ومنتوجات صنعت لتعرض بمناسبة العيد:

- تبارك العيد افتراضا وليس واقعا .

- تبعث رسائل مصنوعة وجاهزة ومعلبة  تحمل مشاعر معلبة بحجم الرسالة ومناسبة لشكلها ومادتها لها بريق الصنعة وثمن السلعة .

- تحيا تجارب مختلفة في نفس اللحظة أو لنقل تعيش مشاعر متناقضة : تشاهد فيديوهات في قمة الروعة للخير والبر والإحسان، وفي نفس اللحظة تصدمك مشاهد للقتل والانتحار والبؤس تزلزل كيانك وتغيب عنك حدث العيد فتتمنى لو لم يكن ...و يغدو العيد عندك نقمة ولعنة أبانت عن مآسي وأحزان لو عرضت على الجبال لهدتها فكيف بفرحة العيد أن تصمد وتقاوم ....

هكذا غدونا نحتفل بالعيد في منصات افتراضية اكثر ما نحتفل به في أحيائنا ودروبنا ومداشرنا وقرانا عبر هواتف ذكية .

 

د. المصطفى سلام

 

 

في المثقف اليوم