أقلام حرة

صادق السامرائي: هل أن هولاكو هو الذي دمَّر بغداد؟!!

صادق السامرائييبدو أن المؤرخين قد جعلوا من هولاكو قميصا لتبرير أي خراب حصل في ديار الدولة العباسية، حتى عندما تسألهم عمَن خرب سامراء، يجيبون بأنه هولاكو!!

والحقيقة أن بغداد قد مرت بسلسلة من عواصف الخراب والدمار، ويأتي في مقدمتها الفيضانات الهائلة التي كانت تطيح بأبنيتها وقصورها، فما بناه أبو جعفر المنصور محقته الفيضانات، إذ كان مولعا بالبناء بالطين أكثر منه بالآجر والحجر.

كما أن الأوبئة المتكررة أصابت المدينة بالخراب، لطغيان الإهمال وغياب الإدامة، حتى أن هارون الرشيد كاد أن يستبدلها بالرقة .

وبعد ذلك تأتي الحروب الداخلية، وقد بدأت بالهجوم الشديد على بغداد من قبل جيوش المأمون ضد أخيه الأمين، فدمرت معظم معالمها ومبانيها وأسوارها وقلاعها.

وبعدها حاول المأمون أن يشيّد بعض العمران فيها، ويوسع ما كان وما تبقى بعد حربه.

وبعد وفاته وإنتقال العاصمة إلى سامراء، أصاب بغداد إهمال كبير، وكثرت فيها الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، المتعددة المتواصلة وعانت الكثير من الدمارات والإنهيارات العمرانية.

وأشد ما أصابها في الحرب التي نشبت بين المعتز بالله والمستعين بالله، فتقدمت جيوش من سامراء لحرب الجيوش في بغداد ، وإستمر حصارها لعدة أشهر  تخربّت فيها العديد من معالمها وإستغاث الناس.

وبعد ذلك إجتاحتها موجات من الجيوش بين فترة وأخرى لتتمكن من السلطة والقيادة، فالخليفة العباسي بعد مقتل المتوكل تحول إلى دمية بيد الآخرين المتنفذين، أو كرمز للخلافة وحسب، التي يستأثر بها مَن يستطيع من القواد، فكانت بغداد ميدانا لتصارعهم الدائب وحروبهم المتوالية.

وعندما غزى هولاكو بغداد لم تكن كما يُخيَّل لنا، وإنما وجدها خرائب وفيها بعض الأشهاد التي تسمى قصورا، وحولها ما يشير إلى البؤس والخواء.

وكان حريقها المدوَّن في كتب التأريخ، والتأكيد المفرط على تدمير مكتبتها، التي فقدت الكثير من دورها وأهميتها بعد وفاة المأمون.

فهولاكو ورهطه لم يكونوا من الجهلة الأميين كما يُصوَّر لنا، ويبدو أن موضوع رمي الكتب في النهر وحرق بيت الحكمة فيه تهويل مدسوس،  للقول بأن التتار قد أجهز على ما أنتجه العلماء العرب، وأنه قد محق وجودهم المعرفي، وهذا فيه تضخيم ، فبعض المدونات تشير إلى أن جيش هولاكو قد نقل العديد من المخطوطات إلى أوربا وباعها لهم، كما أن المخطوطات العربية لم تكن فقط في بيت الحكمة، بل كانت منتشرة في معظم حواضر الدولة العباسية وفي الأندلس وغيرها من المدن.

قد نحسب ما تقدم عدوانا على التأريخ ، لكن القراءة النفسية السلوكية تبين الكثير من المثالب فيما هو مدوَّن وفقا لغايات وتطلعات مريبة.

فلا يُنكر ما فعله هولاكو بالبلاد، وما أصاب المسلمين من الويلات بسببه، لكنه مكتوب بمداد العواطف والمخاوف والإنفعالات، التي تبرر إنهيار إمبراطورية بهذا الحجم والإقتدار، فلابد لقوة أشد منها بأسا لتقضي عليها.

لكن مصر بإرادة "قطز"هزمت جيوش هولاكو في معركة (عين جالوت)، مما يعني أنه لم يكن بالصورة التي رسمتها له كتب التأريخ!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم