أقلام حرة

صادق السامرائي: هل كان هارون الرشيد يحكم؟!!

صادق السامرائيما تتناقله كتب التأريخ، أن هارون الرشيد الذي تولى الحكم في عمر (22)، قد فوض الأمر ليحيى البرمكي وولديه جعفر والفضل، فقاموا بإدارة الدولة وتنظيمها والإشراف على نشاطاتها العسكرية والخدمية، والمالية.

والعلاقة بين هارون الرشيد وهذه العائلة بدأت منذ طفولته، ويُقال أن يحيى البرمكي هو الذي شجع هارون الرشيد على عدم التنازل عن ولاية العهد، وحسبَ أنه قد تولى الخلافة بسببه، بعد وفاة أخيه الهادي الذي مات مسموما من قبل أمه الخيزران على أكثر الروايات.

وإستمر الحال منذ توليه الخلافة سنة (170) هجرية، إلى سنة (187) هجرية حيث حصلت نكبة البرامكة، وبعدها صار الرشيد يقود الحملات العسكرية.

ولمدة (17) سنة حكم البرامكة، وبلغت الدولة العباسية  أثناءها ذروة القوة والمجد الحضاري، وغدت إمبراطورية لا تغيب الشمس عن أراضيها.

ومنذ سنة (187) هجرية وحتى وفاة هارون الرشيد سنة (192) هجرية، إضطربت أحوال الخلافة، وأصبح مهددا من أولياء عهده، وأبنائه وبناته الذين تجاوزوا العشرين، إذ تزوج أربعة نساء، وعنده عدد من الجواري والمحظيات، وأنجب (10) أولاد و(12) بنت وتوفى في عمر (44) في طوس.

وكان مستهدفا من قبل العرب بقيادة زبيدة وبنو هاشم معها، والفرس وقادة الدولة الذين يتحكمون بمصيرها، ويتفقون على الخليفة، ويستعينون بولي عهده عليه.

وقد أسس لصراعات حامية بإطلاقه ولاية العهد لثلاثة من أولاده (الأمين، المأمون والمؤتمن)، وغير واضح لماذا إختارهم من بين أولاده العشرة، لكن ربما لأعمارهم، فالمأمون إبنه البكر ومن ثم الأمين بعد ستة أشهر، ويُجهَلُ عمر المؤتمن.

وكانت فكرته أن يوزع الدولة بينهم لسعتها، وحسبَ أنه سيضمن الحفاظ عليها بتحويلها إلى أقاليم أو مقاطعات يحكمها أولاده الثلاثة، وكل منهم يمتلك كامل الصلاحيات في الأرض التي يتولى عليها، فهم ثلاثة خلفاء في دولة واحدة، ولا يُعرف كيف توصل إلى هذا التقرير والفهم، وكأنه لم يتعظ من تجربته مع  أخيه الهادي، مما يشير إلى أنه لم يكن صاحب تجربة في الحكم، أو أنه لم يحكم أصلا، أي أن يأخذ على عاتقه تحمل المسؤولية.

لا أريد أن أطلق أحكاما إعتباطية، فهذه قراءة سلوكية قد تخطئ أو تصيب، وتستند على ما هو مدوّن في الكتب، وليس كل مدوّن صحيح، وقد يحسب المؤرخون السؤال غريبا أو ساذجا، لكنه يستدعي الجواب.

فما الذي دعاه لقتل جعفر البرمكي وهو أخوه في الرضاعة أثناء عودتهم من الحج، وسجن أبيه وأخيه حتى الموت، ومصادرة أموالهم المنقولة والغير منقولة، والفتك بمن له صلة بهم؟

هل كان في غفلة وإستيقظ؟

ثم هو الذي فوض لهم إدارة الدولة وقيادتها، فكيف إنقلب عليهم؟

فهل تجاوز النفوذ حده، وطغى إسم العائلة على إسمه، وأن القوة النائمة إنطلقت، والترويج على أنه كان منشغلا بالملذات والنساء قد أزعجه، وهناك أسباب كثيرة ومرويات عديدة، وكأن ما حصل لغز لا يزال حله مجهولا.

لكن القراءة الإمعانية لما وصلنا من مدونات عن فترة خلافته، أنه كان لا يحكم وهم الذين يحكمون، وعندما أراد أن يحكم وجد عليه أن يفعل ما فعل، فكانت نتائج ما فعل وخيمة عليه، فهو الخليفة الرمز وليس الحاكم.

وربما يكون لتكالب المتعاونين معهم وطمعهم بخلافته دور في موته المبكر.

أما موضوع أنه كان يحج سنة ويغزو أخرى، فهل كان بعد نكبة البرامكة أم قبلها، وما هي غزواته، التي يجب أن يكون عددها على الأقل (10)، من المعروف عنه في زمن والده كان يقود الجيش ويخوض المعارك وهو دون العشرين من العمر، وبعد النكبة فعل ذلك، حتى مات في آخر غزوة له.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم