أقلام حرة

صادق السامرائي: التأريخ المكتوب بمداد الفنتازيا!!

صادق السامرائيتأريخنا المتصل بالأشخاص (الخلفاء والسلاطين)، والأعلام البارزين، مكتوب بمداد الفنتازيا، ومحلق في خيالات بعيدة لا رصيد لها في الواقع، تجرد الشخص من بشريته، وتضفي عليه صفات لا وجود لها فوق التراب، قادمة من فضاءات الوهم والتصورات البعيدة عن الإنسان.

وعندما نتساءل عن السبب في هذا الإنحراف التدويني، يتبين أن ما تم توثيقه قد حصل بعد الحالة بعدة عقود وربما قرون، والكتاب أكثرهم ليسوا من العرب، وفي الكتابة نوازع مبطنة وأهداف خفية تستهدف الأجيال.

وهناك حالة لم يتطرق إليها الباحثون والمؤرخون، خلاصتها أن أمة العرب جاءها رسول، وتفاعل معها كأي البشر، وأخرجها من حالة إلى حالة، وقاد ثورة إنسانية وأسسَ لدولة ذات تطلعات حضارية، فكان نبيا ورسولا وقائدا متكاملا، فاقترنت القيادة بالقدسية، فلا يمكنكَ أن تكون بارزا ومتميزا إن لم تكن مقدسا.

وهذه القدسية تتسيّد على كتاب التأريخ، فعندما يكتبون عن القادة والحكام بأنواعهم، يحسبونهم ليسوا من صنف البشر، فيأتون بتدوينات توهم الأجيال بأن الأمة كان فيها أناس فوق البشر، وبما أن أحوالهم متصورة ومتخيلة، فأن الوصول إليهم مستحيل، ولهذا فأن الماضي يبقى معلقا في سرابات الأمنيات البعيدة المنال.

بينما الحقيقة الدامغة، إنهم كانوا بشرا مثلنا، وتفاعلوا مع واقعهم المكاني والزماني بما تمليه تقديراتهم البشرية ونوازعهم الآدمية، ولا فرق بينهم، فحتى النبي موصوف بالقرآن " قل إنما أنا بشر مثلكم"، وقد ركز النبي على الدور البشري، لكي لا يتوهم الناس بأنه إبن الله أو صنو الله.

 والواقع الفاعل فينا، أن المدونين جعلوا الأشخاص البارزين أقرب إلى الله، بل البعض جعلهم نواب الله في الأرص، وكأنهم أعلى مرتبة من نبي ورسول.

وعندما نقرأ التأريخ بمنظار نفسي وسلوكي، يتبين أن المكتوب لا يمت بصلة قوية للذين كُتبَ عنهم، فهو عبارة عن "حب واكتب واكره واكتب"، ويشذ عن ذلك بعض المؤرخين الذين دوّنوا بمهنية وواقعية وأمانة.

وهذه العاهة التدوينية تلزمنا بالقراءة العلمية التمحيصية الدقيقة، لتنقية التأريخ من الأضاليل المقصودة لتحويل الأمة إلى عالة على الدنيا.

فلا يمكننا أن نقبل الكلام عن بشر ونرمي عليهم صفات لا تمت بصلة للبشر، مهما كانوا ، فما وصلوا إليه لم يكن بجهدهم ونشاطهم الشخصي، فالأمور كانت تؤول إليهم بالوراثة، فهم يتحلون بمميزات بشرية عادية ، بل أن بعضهم يتمتع بغباء وسذاجة، ويعاني من الإضطرابات السلوكية، التي يتم تغافلها وقراءتها بمنظار القدسية والرهبة من السلطان.

فهل من عقلنة تأريخية؟!!

 

د. صادق السامرائي

25\4\2021

 

في المثقف اليوم