أقلام حرة

صادق السامرائي: التأويلية!!

صادق السامرائيالتأويل: إعطاء معنى لنص لا يبدو فيه المعنى واضحا لأول وهلة.

التأويلية عاهة فكرية فاعلة في عقل الأمة منذ قرون، ولا تزال تدمر وجودها وتمزق جمعها، وتلقي بها في غياهب الشكوك والظنون، والتوهم بالمعرفة والتوصل إلى الحقيقة، التي ما بعدها ولا غيرها من علم ويقين.

ووفقا لهذه العاهة برزت الفرق والجماعات وسُفِكت الدماء، وتاهت الأمة وهي تطارد سرابات التأويلات، التي لا تطعم من جوع ولا تقي من برد، بل تجذب الدمار والخراب.

وهذه التأويلية تسربت إلى مناحي الحياة الأخرى، وغلبت على الإبداعات الأدبية والشعرية خصوصا، حتى أصبحنا نكتب طلاسم ونسميها شعرا، وكأننا نخاطب أنفسنا، وينطبق علينا قول سقراط: " أن الشعراء لا يعرفون حقيقة ما يتحدثون عنه"، بينما كان للشعر دوره التربوي والإجتماعي والأخلاقي، وفعله للحفاظ على إتزان النفوس، وضبط السلوك بأنواعه ومشاربه، فكانت الأمة ذات ضوابط وتقاليد مؤكدة بشعر واضح ناصع مبين.

واليوم ترانا أمام نصوص علينا أن نؤولها ونبحث عما يقصده كاتبها، فهي غامضة ومبهمة، لو سألت كاتبها عما كتبه لما إستطاع أن يقول شيئا واضحا ونافعا عنها، بل سيطلب منك أن تحزر ما فيها، وهي كلمات وعبارات لا توصلك إلى ميناء معرفة أو دراية نافعة.

وهذه العاهة التأويلية تشمل نشاطات أخرى، وإشتد أوارها في عصرنا، ووجدتنا أمام طوابير من المؤولين الذين يريدون أن يقلبوا الأمة رأسا على عقب، فتجدهم ينبشون في الأجداث، وينطلقون برؤى وتصورات تأويلية، وفقا لما تيسر لهم من المعارف فتوهموا بأنهم يعرفون.

إن النزعة التأويلية خطيرة عندما تسري في المجتمعات، ولهذا تجد الكتابات والتفاعلات في الدول المتقدمة واضحة وبلغة ناصعة، لكي يعرف المواطن المعنى بسهولة، ويبني رأيه ويرسم خارطة سلوكه وفقا لما إتضح أمامه.

بينما الأقلام في مجتمعاتنا تساهم بإشاعة الإضطراب والتخبط ، لأنها تأويلية النزعات ولا تخاطب المواطن بلسان واضح مبين، وعليها أن تنتبه لما تقترفه من آثام بحق الأجيال، وتكتب ما ينفع ويأسو الجراح، ويمنح المحبة والأمل والأخوّة والرجاء الحميد!!

 

د. صادق السامرائي

27\12\2020

 

 

في المثقف اليوم