أقلام حرة

ليلى الدسوقي: الحاكم وأهل الرأى والمشورة

ليلى الدسوقياهل الرأى والاجتهاد والتشريع هم الاشخاص الذين يستطيعون ابداء الرأى واستنباطه من الادلة الشرعية ووضع القواعد المنظمة لحياة الافراد فى المجالات التى ليس بها شرع مبتدأ من المولى سبحانه وتعالى

و على ذلك فالاجتهاد حق ثابت لكل من له اهلية النظر والبحث بصرف النظر عن جنسه او وظيفته

و الشروط التى يجب توافرها فى الشخص ليكون اهلا للاجتهاد كما ذكر رائد الفكر السياسى الاسلامى العلامة ابو الحسن الماوردى انه يجب فيمن يستشار ان تتوافر فيه خمس خصال

اولا عقل كامل مع تجارب سابقة

ثانيا ذا دين وتقى

ثالثا ان يكون ناصحا ودودا

رابعا ان يكون سليم الفكر

خامسا ان لا يكون له فى الامر المستشار مصلحة

فاذا اكتملت هذه الخصال الخمس فى رجل كان اهلا للمشورة

و بصفة عامة اذا كان الغرض من الاستشارة حكما دينيا يجب ان يتسم الشخص بالتدين والعلم ورجاحة العقل وان كان الغرض امور دنيوية فيجب ان يكون راجح العقل والافق ولديه خبرات حياتية كثيرة ويشترط فضلا عن كل ما تقدم صدق النصيحة لله ولرسوله ولجماعة المسلمين

اختلفت الاراء عن هل يجب على الحاكم اخذ الراى والمشورة ام لا ؟

الراى الاول: الشورى مندوبة (مستحبة )

استنادا للادلة الاتية:

امر الله الرسول بإتباع الشورى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران 159

كان الغرض منه إرضاء نفوس بعض المسلمين وتآلف قلوبهم ورفع منزلة من يستشيرهم الرسول لعلمهم ان الرسول يسمع منهم ويستعين بهم

ففى غزوة احد كان الصحابة قد اشاروا عليه بالخروج وكان ﷺ يرى عدم الخروج لقلتهم بجانب العدو فلما خرج الرسول وانهزم المسلمون حينئذ لو ان الرسول صلوات الله عليه ترك مشارتهم بعد ذلك لاعتقدوا ان فى قلبه منهم بسبب مشاورتهم بقية اثر فامر الله سبحانه وتعالى بالمشاورة حتى يثبت للصحابة ان ليس فى قلبه اى اثر من الواقعة السابقة

الرأى الثانى الشورى واجبة:

و الدليل من القرآن:

(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران 159

(وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) الشورى 38

و من ثم يتضح لنا من هذه الاية ان الشورى احد دعائم المجتمع الاسلامى ويضيف الامام محمد عبده الى هاتين الايتين الكريمتين للتدليل على ان الشورى واجبة وليست مندوبة قول المولى سبحانه وتعالى:

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‎﴿١٠٤﴾‏ آل عمران

و الدليل من السنة النبوية:

" ما تشاور قوم الا هدوا لارشد أمرهم "

روى عن ابن عباس انه عندما نزل قول الله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قال الرسول الكريم " اما وان الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة لامتى فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعم غيا "

روى عن سهل بن سعد الساعدى عن رسول الله ﷺ قوله: ما شقى قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأى "

و عن على بن ابى طالب رضى الله عنه: قلت يا رسول الله الامر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه القرآن ولم يسمع منك فيه شىء قال: اجمعوا له العابد من أمتى واجعلوه بينكم شورى ولا تأخذوا برأى واحد "

قول المصطفى ﷺ: ما استغنى مستبد برأيه وما هلك احد عن مشورة

عن على بن ابى طالب قال: سئل رسول الله ﷺ عن العزم فقال مشارة اهلى الراى ثم اتباعهم

روى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال " لم يكن احد اكثر مشورة لاصحابه من رسول الله ﷺ مثلما حدث فى غزوة بدر الرسول قد تخير موقعا معينا فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله ! ارايت هذا المنزل انزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا ان نتأخره ام هو الحرب والراى والمكيدة ؟ قال بل هو الحرب والراى والمكيدة . فقال: يا رسول الله ! فليس هذا لك بمنزل فانهض بالناس حتى ناتى ادنى ماء من القوم فنزله فقال له رسول الله ﷺ: قد اشرت بالراى فنهض ومن معه من الناس فسار حتى ادنى ماء من القوم فنزل عليه

قال عمر بن الخطاب " لا خير فى امر ابرم من غير شورى "

و كان الصديق يؤكد فى خطبه على التشاور " وانكم اليوم على خلافة النبوة ومفرق الحجة وسترون بعدى ملكا عضوضا .....فان كان للباطل نزوة ولاهل الحق جولة يعفو بها الاثر ويموت لها البشر فالزموا المساجد واستشيروا القران والزموا الطاعة ولا تفارقوا الجماعة وليكن الابرام بعد التشاور "

و هكذا تتعدد الاحاديث الشريفة التى يستدل منها على وجوب الشورى بالنسبة للحاكم

ما مدى إلتزام الحاكم برأى اصحاب الشورى (يأخذ به أم لا)؟

هناك عدة آراء:

الراى الاول يقول بأن الشورى ليست ملزمة اى ملزم فقط بمشارتهم ثم ينفذ ما يراه راجحا لديه هو 

و يستند هذا الراى الى الحجج الاتية:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ‎﴿١٥٩﴾ آل عمران

قال قتادة: امر الله تعالى نبيه عليه السلام اذا عزم على امر يمضى فيه ويتوكل على الله لا على مشاورتهم

مثلما حدث فى واقعة اسرى غزوة بدر الكبرى اختار الرسول الرأى الذى اطمأن اليه هو ورفيقه فى الغار ابو بكر الصديق وهو قبول الفداء من الاسرى

و ايضا عقد صلح الحديبية مع قريش رغم ان جمهور الصحابة لم يكن موافقا عليه

حدث ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لرسول الله ﷺ: لم يقبل المسلمون الصلح ؟ فقال الرسول الكريم: " انا عبد الله ورسوله لن اخالف امره ولن يضيعنى "

و على هدى ذلك فان الحاكم له ان يخالف اعضاء مجلس الشورى ويقضى برأيه

الراى الثانى الشورى ملزمة

يجب على الحاكم ان يتقيد بالرأى الذى يشير اليه اهل الشورى والدليل على ذلك:

قول المولى سبحانه وتعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) تدل على ضرورة المشورة فى الامور العامة واتخاذ راى الاغلبية

الراى الثالث وهو للفقيه ابن تيمية:

الحاكم اذا استشار اهل الراى والمشورة وتبين ان رايهم يتبع كتاب الله او سنة رسوله او اجماع المسلمين فعليه اتباع ذلك ولا طاعة لاحد فى خلاف ذلك

قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ‎﴿٥٩﴾‏ النساء

و ان كان امرا قد تنازع فيه المسلمون وليس مستندا لدليل قطعى الثبوت والدلالة فينبغى ان يستخرج من كل منهم رايه ووجهة نظره ويكون للحاكم ان يتخير من الاراء ما يراه سليما بل ولا يكون ملزما باتباع راى اهل الشورى

الراى الرابع وهو للاستاذ الدكتور مصطفى ابو زيد فهمى:

الشورى كاساس من اسس الحكم (شورى ملزمة) تكفل للشعب ان يكون صاحب الكلمة الاخيرة فى شئون الحكم يخضع لمشيئته الحكام جميعا ويلتزمون بتنفيذ ارادته وهو وحده الذى ينظم فى دستوره كيف تمارس الشورى وكيف تقوم وهو وحده الذى يقيم فى الدستور المجلس النيابى (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) الشورى 38

اما الشورى كاساس لفن الحكم (شورى غير ملزمة) توجه الحاكم كيف يحكم وكيف يتصرف وكيف يقود (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران 159

و تدل الايتين على حكم واحد " فاذا عزمت فتوكل على الله " فهى فى جميع الاحوال ذات قيمة استشارية بحتة ولا تتمتع ابدا باى قيمة ملزمة

و لقد ظلموا الاسلام بذلك ظلما كبيرا فلقد صوروه وكانه لا يعرف المبدا الديمقراطى الذى يجعل ارادة الشعب اعلى من ارادة الحاكم تلزمه وتقود خطاه

بعد استعرضنا الاراء المختلفة بصدد مدى الزامية الشورى للحاكم وهل هى ملزمة له ام لا؟ فاننا هنا نرجح الراى الثالث الذى قال به الفقيه بن تيميه لان الشورى دائما واحدة فى الاسلام ويجب ان تدور فى فلك المشروعية الاسلامية والله اعلى واعلم.

 

ليلى الدسوقي

 

 

في المثقف اليوم