أقلام حرة

حشاني زغيدي: اترك أثرا في حياتك

حشاني زغيديسألت نفسي في إحدى الليالي المقمرة، وقد تأملت حالي، رأيت العمر يمضي مسرعا، وأيامي تحصدها الأحداث، فتطوي أثرها، وأنا أرى الأقدار تخطف الأحبة دون مواعيد مسبقة، أحبة رحلوا في صمت، رحلوا دون توديع من أحبوا، أحبة تركوا الدنيا وراءهم كحلم جميل عاشوه في غفوة الظهيرة، رحلوا دون تدقيق الحسابات، ودون برمجة الرحالات، هكذا رحلوا في صمت.

قلت: هم لمثلي موعظة، تخيلت نفسي أنا المودع، الصائر لأجلي المحتوم في أي لحظة !

 وتخيلت نفسي أنا المسروق في لحظات غفلة وسهو !

فلت لنفسي الأمارة: كيف أرحل عن الدنيا واستقبل أجلي ولم اترك أثرا؟!

كيف أرحل وسجلي ملطخ بحبر أسود، مداده سودته حالكات الأيام؟!

في غمرة هذا التأمل،كانت نفسي تهتز نفسي وتنخفض، كأنها تشاهد فلما، يحمل مشاهد مرعبة، وأنا في غمرة هذا التجوال التأملي استحضرت قصة لطيفة وعميقة الأثر في نفسي، قصة ترويها السيرة النبوية الشريفة عن حديث السيدة خديجة رضي الله عنها حين جاء الرسول صلى الله عليه وسلّم الوحيُ، فهرع مسرعا إلى شريكة حياته، يروي لها قصة الملك، يروي لها ما حدث، وقد أصابه الفزع مهول .. 

 فأخذت الزوجة الصالحة تسترجع معه كل أثر جميل، تذكّر زوجها بكل أثر إيجابي، صنعه في حياته، كأنها بهذا الموقف التربوي المؤصل، ترسم لنا مشروعا يصوغ حياتنا بالعطاء.

قالت الزوجة الصالحة مطمئنة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهي تشد من أزره، تقوي عزيمته، تشحذ همته بكلمات تهزنا بل ترفع همتنا، تحملنا لنقتفي الأثر الطيب تقول الطاهرة: «والله لا يُخزِيكَ الله أبدًا؛ إنك لتصِلُ الرَّحِم، وتصدُقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكَلَّ، وتَقرِي الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الدهر»..!!

إن مثل هذا الأثر لا يعدم، ولا تمحو أثاره، ولا يضعف صاحبه ولا يخيب، بل أن خير الدنيا والآخرة سيطوع له، ولو حزبته الأمور أجمعها، ولو ضاقت عليه الأمور وصعبت ؛ فالمعروف لا تعدم جوانبه أبدا.

إن الإنسان الإيجابي ؛ هو ذاك الذي يترك أثرا في حياته، يترك أثرا طيبا في نفسه، يترك أثرا طيبا بين أهله، يترك أثرا ايجابيا في مجتمعه، يترك أثرا في أمته، بل يترك آثاره لتتعدى الحدود ليصل خيرها ونفعها الإنسانية جمعاء، فالمرء الصالح لا يعيش لنفسه، بل يعيش ليسعد الأخرين.

و لعل أفضل أثر يبعث في نفوسنا الأمل، نستلهمه من الحديث النبوي الشريف الذي أتخيله وصيّة تحمل الفوائد والدروس، لكل من يريد أن يسير في طريق العطاء، لمن يريد أن يترك أثرا يذكر به بعد مماته، والحديث لا يحتاج طول شرح أو تعقيب، فهو واضح في بيانه

يقول الصادق المصدوق: «إن قامَت الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسِيلَة، فإن استطاعَ ألا تقومَ حتى يغرِسها فليغرِسها».!

 

الكاتب: الأستاذ حشاني زغيدي

 

في المثقف اليوم