تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

علي حسين: ليلة البحث عن مليارات نور زهير

لم تخلُ قضية مهرجان "سرقة القرن" بطولة نور زهير من بعض الفكاهة والسذاجة إن لم نقل "مضحكات"، فهي فاقت كثيراً ما عاناه عمنا المتنبي حين وصف هذا النوع بأنه ضحك كالبكاء.. ومن هذه المضحكات ما خرجت علينا به هيئة النزاهة وهي تزف للعراقيين البشرى،

فالسيد المستشار والنائب السابق هيثم الجبوري أعاد مشكوراً إلى خزينة الدولة مبلغ وقدره تسعة مليارات من الدنانير. هل انتهى الخبر؟ لا ياسادة فقد احتفظ السيد هيثم الجبوري لنفسه بتسعة مليارات أخرى مكافأة له على الخدمات التي قدمها إلى الشعب العراقي.

ومثل فيلم ميلودرامي طويل لم يهتم أحد بالحبكة ولا بتفاصيل الشخصيات ولا بالمكان والزمان، ولا بأي شيء سوى أن يظهر مسؤولو النزاهة، ليقولوا لنا إن الله كان رفيقاً بالعراقيين، ولم تختف الثمانية عشر مليار التي سرقها هيثم الجبوري، ولهذا كان لابد أن نوجه له الشكر والامتنان للنائب السارق، اقصد السابق، لأنه قرر أن يعيد نصف المبلغ المنهوب علنا.

ولأن الحكاية لم تنته، فإن الفصل الأكثر فكاهةً فيها هو غياب نور زهير ولا أحد يعرف أين يقضي الملياردير العراقي أوقات فراغه، بعد أن أعاد ما يقارب من خمسة بالمئة من المليارين ونصف مليار دولار التي لفلفها في وضح النهار، ولأن الدولة مهتمة بتساؤلات الناس فقد طمأنتنا بأن الوضع تحت السيطرة.

ليس من دواعي المقارنة أن نقول لو أنّ هذه سرقة هيثم الجبوري جرت في بلد آخر، لما بقي مسؤول في منصبه.. فما جرى هو فضيحة سياسية، ففي بلدان العالم المتحضرة، سنجد الإعلام يسخر من المسؤول الذي يحاول أن يتهرب من دفع الضريبة وكم مرة قرأنا كيف تسنى للإعلام في دول العالم، أن يتسلى بأسرار كبار رجال الدولة، لأنهم وقعوا في أخطاء بسيطة.

ما أدهشني وأحزنني في قضية سرقة القرن ومليارات هيثم الجبوري، أنّ القانون الذي يفترض أنه وضع من أجل الجميع، وعلى كل فرد واجب تنفيذه، يلاحق موظفين صغار، ويترك الحيتان يسرحون ويمرحون، ويتربعون على أنفاس الناس.

فيلم "سرقة القرن" لم ينته بعد لأنه أظهر لنا أن أنصار دولة الفشل والمحسوبية أكثر مما نتوقع، وظهر أيضا أن أساطير السادة المسؤولين عن أنفسهم تجاوزت الحد المعقول، وأن مفهوم السيطرة على البلاد والعباد، سيكون بديلاً لمشروع الإصلاح وتقديم الخدمات، وأن حل مشاكل العراق يكمن في اعتقال صحفيين لانهم يوجهون انتقاد لسياسي كبير او مسؤول بارز، والمهم أن البعض يريد لنا أن نعيش عصر المال السائب، لأنهم يعتقدون أنّ التغيير الذي حصل عام 2003، قام من أجل ان يتمتع هيثم الجبوري بمليارات العراق .

***

علي حسين

في المثقف اليوم