أقلام حرة

صادق السامرائي: عقلنة التأريخ!!

صادق السامرائيالقراءة النفسية السلوكية للتأريخ، ورطة كبيرة ومهمة عسيرة، ومسؤولية شاقة، فكثرة التكرار قد رسخت ما لا يعقل ولا يقبل من الأخبار والحكايات والأقوال.

فكتب التأريخ محشوة بالإفتراءات، والمرويات ذات النوازع والدوافع والتطلعات الضارة بمسيرة الأمة وحياة الأجيال.

وكلما قراتُ في كتب التأريخ، أقف متحيرا أمام المسطور فيها حول أحداث وأشخاص لا يقبلها عقل فطين.

فالبشر يخرج من بشريته، والحدث يتجرد من واقعيته، وتطغى الفنتازيا والتصورات الوهمية المتنامية مع المواقف والآراء ووجهات النظرالمتصلة بما كُتِبَ عنه.

ومن المعروف أن المدوَّن يتمحوَر حول الكرسي، ومعظم المدونين يكسبون بما يكتبون، ونادرا ما توجد كتابات نزيهة تهدف إلى إظهار الحقيقة.

بل أن المكتوب عبارة عن بضاعة يتم تسويقها لأصحاب الكراسي لينال كتابها التكريم والجاه والمال.

فهم يعتاشون على ما يكتبون، ولا بد لهم أن يكتبوا ما يُباع ويُشترى، كالشعراء وخطباء المنابر المروجين لخطايا ومآثم الكراسي.

وتجد نفسكَ وأنت تقرا التأريخ في متاهة، عليك أن تتأملها وتتعرف على دروبها ومحطاتها وآليات الخروج منها، وعندما تخضعها لمناهج البحث العلمي والشك والتساؤل، تصبح أمام معضلة إعادة ترتيبها لكي تكتسب شيئا من المعقولية.

فالمكتوب يمثل تصورات كاتبه عن الحالة المتناولة، وقد لا يقترب منها وإنما يتخيلها، أو يدثرها بخيالاته وتصوراته  ونواياه، وما يطمح إليه من ورائها.

ولهذا فأن قراءة التأريخ أصبحت مهمة صعبة، وعلى كليات التأريخ ومدارسه وأساتذته والباحثين فيه، العمل بجدية ونشاط وعلمية للوصول إلى جوهره، لا التفاعل مع قشوره وألوانه التي أضفاها عليه الذين دوّنوه بعد عقود أو قرون، ومن الصعب أن تجد مدونا إبن زمانه إلا فيما ندر.

فهل لنا أن نعقلن التأريخ، ونؤكد إرادة المعقول لا المنقول؟!!

 

د. صادق السامرائي

9\8\2021

 

 

في المثقف اليوم