أقلام حرة

صادق السامرائي: أمَّتنا المُدهِشة!!

صادق السامرائيأمتنا مدهشة حقا، ومبعث الدهشة أن فيها مَن إستطاع أن يجمع القرآن ويكتبه في ذلك الزمان، ويحفظه.

والمدهش الأكبر أنها بعد أكثر من قرن على إنطلاق الرسالة المحمدية، إستطاع أبناؤها أن يدوّنوا السيرة النبوية، التي إنطلق بها إبن إسحاق وحررها إبن هشام، وجمعوا الأحاديث النبوية، ودوّنوا الأسفار والأحداث والأشعار، وتراث العرب الشفاهي، بدقة ورصانة ومنهجية وعلمية غير مسبوقة، ولهذا إزدحمت الحياة العربية بالمأثورات والمعارف الفياضة.

أمة حافظت على تراثها آمنا في صدورها، وما أهملته أو ضيعته، وكتبته بجد وإجتهاد في زمن تعز فيه أدوات الكتابة.

قد يرى البعض أن ذلك بالأمر الهيّن، بينما هو في عصره يُعد إنجازا بطوليا خارقا، وألمعيا، فكيف بربك يتمكن شخص من كتابة الموسوعات، وعشرات الكتب بما يتوفر عنده من أدوات بدائية للكتابة، وقد عز الورق؟!

والفضل الأعظم يعود للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي كان من المثقفين والمحبين للعلم، وهو الذي أطلق مسيرة التدوين العربي، عندما طلب من إبن إسحاق أن يدوِّن السيرة النبوية، لكي يتهذب بها إبنه المهدي الذي يعده لولاية الدولة العباسية، وفي هذا دليل على رؤيته بضرورة أن يكون الخليفة مثقفا، وعلى دراية بتأريخ الأمة ومسيرة أعلامها، وخصوصا قائدها النبي الكريم.

الخليفة أبو جعفر المنصور أغفِلَ دوره العلمي والتنويري الإستنهاضي للأمة، وتم التركيز على التفاعلات السياسية التي قام بها لتثبيت أركان الدولة الفتية.

ويبدو أن أعظم إنجازين في تأريخ الأمة قام بهما عثمان بن عفان بجمع القرآن وتوحيده، وإطلاق أبو جعفر المنصور لمسيرة التدوين بأنوارها العلمية والمعرفية المتميزة.

فلم تسبق أمة العرب بهما أمة، فلا توجد أمة جمعت كتابها الديني بقرار سياسي، ودوَّنَت مسيرتها بأمر من قائدها.

وتبقى أمتنا مدهشة وفيها من القدرات الحضارية التنويرية الأصيلة على مر العصور، وعلتها المعاصرة أنها تجعل المغفلين أولياءَ عليها، فيطفئون أنوارها، لكنها تشرق رغم الدواجي والآلام.

وإن الأمة حية وستطلق ساطعة في ميادين الأيام!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم