أقلام حرة

عبد الرضا حمد جاسم: الراحل الكبير الدكتور علي الوردي في ميزان/ رسالة خاصة (11)

عبد الرضا حمد جاسمالأستاذ العزيز الدكتور علي الوردي المحترم:

تحية طيبة

رسالتي هذه تتضمن خطأ أنت صاحبه كما حسبته انا ...اتمنى ان أكون أنا المخطئ فدلني عليه لطفاً او يتكرم علينا انا وانت من يبدي وجهة نظر فيه وحتماً نكون له شاكرين.

في سابقة تطرقتُ الى البداوة في كتاباتك وفي أخرى اشرتُ اليها... وانت أيها الكريم تعرف صولتها وأصداءها الذي ترددت في ارجاء العراق والوطن العربي...بحيث كل من كتب عنك او عليك تطرق اليها وفق مفهوم صراع البداوة والحضارة الذي التقطه جنابك الكريم عن الريف والمدينة للعالم ابن خلدون وانت اخذت الريف لأنه اقرب الى البداوة وأول المتأثرين بها ومنه ينتقل تأثير البداوة الى الحضارة ليحصل ويجري الصراع... فحولته من صراع الريف والمدينة الى صراع البداوة والحضارة وهذا تفسيري سامحني الله.

واليوم اطرحه من باب عدم ذكره أو المرور عليه مِنْ قِبَلْ مَنْ كَتَبَ عنك وعليك على حد علمي. وانت تعرف أن موضوع البداوة هو ما تلقفه الجميع من طروحاتك وهذا موضوع مُحير حقاً... وقد قسمتَ الوطن العربي بعد تصاعد المد القومي عند صدور كتابك/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/ عام 1965 الى ثلاثة مجاميع حسب تأثرها بالبداوة كما ورد في ص34 من الكتاب وتحت عنوان فرعي هو [مقارنة وتصنيف].  

اليوم اُذَّكِرُكَ بما طرحتَ عن البداوة ومعك محبيكم (مادحيك ومنتقديك)  حيث أنقل ما كتبتَ عن البداوة وتطور المجتمعات وهوالتالي:

 في (ص32) من الكتاب وتحت عنوان فرعي هو: [نظرية خاطئة عن البداوة] كتبتَ استاذنا الفاضل الدكتور علي الوردي التالي: 

[من النظريات التي كان لها رواج في الأوساط العلمية في الجيل الماضي نظرية حول البداوة لها صلة بالموضوع الذي نحن فيه وخلاصتها ان البداوة مرحلة اجتماعية مرت بها جميع الأمم قبل دخولها في مرحلة الحضارة. مما يجدر ذكره ان هذه النظرية مستمدة من نظرية التطور المشهورة التي صارت(موضة) علمية منذ ظهور دارون في منتصف القرن الماضي فقد ظن العلماء يوم ذاك ان كل مجتمع بشري هو كالكائنات الحية لا بد ان يمر في تطوره عبر التاريخ بسلسلة متتابعة من المراحل المحتومة وهذه المراحل كما تخيلوها تبدأ بالمرحلة البدائية التي يعيش فيها الانسان على الصيد والالتقاط ثم تأتي من بعدها مرحلة البداوة التي يعيش فيها الانسان على الرعي وتليها مرحلة الزراعة ثم مرحلة الصناعة. لقد اتضح الان خطا هذه النظرية لا سيما فيما يخص البداوة فالعلماء اليوم يميلون الى القول بان البداوة ليست مرحلة ضرورية من مراحل التطور الاجتماعي وليس من المحتوم على كل امه ان تمر بها خلال تطورها عبر التاريخ....الخ] انتهى

*تعليق: قبل كل شيء لا توجد نظرية عن البداوة او حولها اشارة الى ان البداوة مرحلة اجتماعية مرت بها جميع الأمم قبل دخولها الحضارة. وأعتقد استاذي الفاضل انه لا يوجد من العلماء او غيرهم من ربط بين البداوة ومراحل تطور المجتمعات...حيث العلماء كانوا ولا يزالون يؤكدون وليس يميلون الى القول بأن البداوة ليست مرحلة ضرورية من مراحل التطور الاجتماعي ولا توجد امة تطورت ومرت في خلال تطورها بمرحلة البداوة... لذلك تجد ان جذور البداوة راسخة في من كانوا بدواً ومن الصعب ازالتها بحيث انها تؤثر في الحضارة أكثر ما تتأثر بالحضارة فتجد اليوم مضارب البداوة عامرة بتكنولوجيا المعلومات والفضاء والأجهزة الأخرى وترافقهم حتى في ترحالهم و""غزواتهم"" ويتابعون حركة ابلهم او يطمئنون على بعضهم بواسطة الموبايل والأقمار الصناعية ويتنقلون بأحدث المركبات والعجلات وربما بعضم اقتنى عجلات "تسلا" ذاتية القيادة يبرمجها ويجلس على ظهر بعيره يقلب بالموبايل ويشاهد العاب الفيديو وافلامه... كل تلك التكنولوجيا لم تؤثر عميقاً بطباعهم المميزة للبداوة. وانتهى السلب والنهب لأنهم بخير وانتهت الغزوات لان سلاحهم ابسط بقوته من سلاح غيرهم سواء حكومة او اخرين.

استاذي الفاضل: العالم والعلماء تطرقوا الى الرعي كمرحلة من مراحل تطور المجتمعات والرعي غير البداوة فهو في كل التضاريس الأرضية والبداوة فقط في الصحراء وانت من يؤيد قولي هذا حيث في ص 34 من نفس الكتاب كتبتَ التالي: [وهناك خطأ آخر حول البداوة لاحظته لدى بعض الاجتماعيين في مهرجان ابن خلدون الذي انعقد في القاهرة عام 1962 فهم يظنون ان من اهم خصائص البداوة هو التنقل وقلة الاستقرار في الأرض... وهم يشَّبهون البدو في ذلك بالغجر والاسكيمو وغيرهم وهذا خطا علمي...الواقع ان البداوة لها ثقافتها الاجتماعية المنبعثة من طبيعة حياتها الصحراوية وهي لا تشبه ثقافة الغجر او غيرها الا من حيث اتصافها بالتنقل الدائم اما في غير ذلك من الأمور فهنالك فروق كبيرة جدا] انتهى

 صدقت في قولك هذا لكنك وقعت في خطأ علمي بخصوص النظرية التي قلت عنها (نظرية خاطئة عن البداوة) الخطأ هو انك ساويت بين البداوة والرعي الذي تنفي تلك المساواة بقولك هذا حيث كما تقول لا رابط بينهما سوى التنقل الدائم...تقول قالوا ان المراحل هي: [ الالتقاط والصيد فالبداوة فالزراعة ثم الصناعة]...أسألك بالله استاذي الفاضل ...ماذا يلتقط البدوي في الصحراء وماذا يصيد هل يصيد الحمار الوحشي! [ ملاحظة: لي عودة على قصة الحمار الوحشي والوردي]

استاذي العزيز انت من ارتكب الخطأ العلمي وليس الأخرين ف "الموضة" التي ظهرت تحت تأثير دارون كما تقول لم تتكلم عن البداوة لأنه بكل بساطة لا دارون ولا من تبع ال"موضة" تلك يعرف البداوة او عاش قربها او عاش في محيطها حيث لا توجد صحراء في محيطهم وهم قرأوا عن البداوة لكنهم لم يعيشوها حيث محيطهم غابات ومراعي خضراء ومياه اينما دارت ابصارهم ورؤوسهم اصطدموا ببحيرات مياه عذبة والسماء تسقيهم مدرارً على مدى أيام العام والأرض تنبت كل مفيد ولذيذ لهم ولحيواناتهم التي ليس منها الابل لذلك قال هؤلاء عن الرعي وليس البداوة لأن بعد الرعي الزراعة من خلال اختيار ما جادت به الأرض وانتباههم لتأثير المناخ وملاحظة الأوقات الملائمة لزراعة أي نبات ومن ثم الحصاد او الجمع الذي مع الوقت اصبح بحاجة الى أجهزة ومعدات  يرافقها الحاجة لمعدات الحماية ليصلوا الى الصناعة وهذه كلها غير موجودة في الصحراء حتى يومنا هذا....لكنك وغيرك ترجم مصطلحهم عن الرعي الى البداوة لأن الرعي في مخيلتكم/ مخيلتنا ارتبط عميقاً بالصحراء و"النهب والسلب" الذي لا اعرف ممن يسلب البدوي وينهب وماذا يسلب وينهب؟ هل ينهب ابل الغير؟...و ان حصل  كيف يوفر لها غذائها في تلك المنطقة الجرداء؟...ثم هل هذا السلب والنهب سيمنع الأخر المسلوب المنهوب من نهب وسلب ابل الناهب السالب؟.

موضوع البداوة والسلب والنهب الذي اطلقته استاذي مستمر على مدى سبعة عقود من الزمن... وسيستمر وسيستلم الراية من جيل المهتمين به اليوم جيل اكثر تصفيقاً لصراع البداوة والحضارة ويتنافس هذا الجيل على قال الوردي وكتب الوردي وهناك اليوم من سار على نهجك من حملة الشهادات العليا الذي سيغطي اسمه على اسمك في العقود القادمة ليحل محلك.

انت تقول ان البداوة فقط في الصحراء وانت محق هنا، لكنهم محقين ايضاً كون الرعي في كل مكان كان ولليوم في القطب وفي السهول الخضراء وفي الجبال والوديان وفي ارقى المجتمعات واكثرها تخلفاً فالرعي غير البداوة حيث الرعي اليوم له مردود اقتصادي كبير يؤثر في ميزانيات الدول حتى الكبرى منها لكن رعي البادية لا يشبع حتى أصحابه.. 

والغريب انك قد كتبت في ص33 التالي: [ان هذا يؤدي بنا الى القول بأن الصحراء والبداوة أمران مترادفان فالأمة التي لا تسكن الصحراء يصعب عليها ان تتخذ في معاشها نظام البداوة إنها في بداية امرها قد تعيش في مرحلة الصيد والالتقاط حتى اذا شح عليها الرزق لاي سبب من الأسباب واضطرت الى ترك تلك المرحلة انتقلت الى مرحلة أخرى حسب طبيعة الأرض التي تعيش فيها وهي في اكثر الأحيان لا يمكن ان تتخذ نظام البداوة اذا كانت أراضيها غير صحراوية]انتهى

استاذي الفاضل: اُكرر السؤال السابق: ماذا يصيد البدوي في الصحراء وماذا يلتقط؟ وتقول: (إذا شح الرزق لأي سبب من الأسباب) السؤال هنا هو: هل رزقهم في الصحراء وفير/ مديد حتى اذا شح...؟ ثم تقول: (اضطرت الى ترك تلك المرحلة انتقلت الى مرحلة أخرى حسب طبيعة الأرض التي تعيش فيها)...انهم يعيشون في الصحراء فكيف حسب طبيعة الأرض التي تعيش عليها...انها الصحراء استاذي الفاضل...لِمَ هذا اللف والدوران ومحاولات التشتيت والتشتت؟ لو قلتَ اضطروا الى ترك ارضهم ،صحرائهم لكانت العبارة انسب وتلتقي مع قولك (حسب طبيعة الأرض...الخ). ثم تقول استاذي الوردي في نفس الصفحة التالي: [من المؤسف ان نرى تلك النظرية على الرغم من ظهور خطئها اخيراً لا تزال شائعة في بعض اوساطنا العلمية ولايزال بعض المؤلفين في بلادنا يأخذون بها ظناً منهم انها نظرية صحيحة من هؤلاء الدكتور علي حسني الخربوطلي فهو يقول: كان العرب في جاهليتهم يعيشون في طور البداوة وهو طور اجتماعي طبيعي تمر به الأمم اثناء سيرها الى الحضارة...لا حاجة بنا الى القول بان هذه النظرية قد تعرقل فهمنا لطبيعة المجتمع العربي ولتاريخه وطبيعة تركيبه. إن من الصعب علينا ان ندرك الخصائص التي تميز بها المجتمع العربي عن غيره اذا اعتبرنا البداوة فيه ظاهرة عامة يشترك معه فيها كل المجتمعات البشرية] انتهى

*تعليق: الصحيح استاذي هو ان تفسيرك للأمور نفس تفسير الأستاذ علي حسني الخربوطلي أي التفسير الخطأ كما قلتَ وليس "أن نرى تلك النظرية على الرغم من ظهور خطئها"...ولعلمك استاذي الكريم انه لا احد يعتبر البداوة ظاهرة عامة تشترك فيها كل المجتمعات البشرية.

نعم أيها الأستاذ الوردي : [لا حاجة بنا الى القول بان هذه النظرية قد تعرقل فهمنا لطبيعة المجتمع العربي ولتاريخه وطبيعة تركيبه] والسبب هو ان تلك النظرية لا تشمل البداوة لذلك تجد التخلف لليوم او عدم مواكبة التطور جاري في كل ترك الصحراء واقترب من الحضارة حيث قيم الصحراء غالبة وعميقة في تفكيرهم لذلك تجد هناك عرقلة لموضوع انطلاقهم للالتحاق بركب التطور حتى لو كما يظهر في استخدامهم حتى المبدع للتكنولوجيا ولليوم هؤلاء مهما امتلكوا من عناصر الاقتصاد القوي لا يبنون وانما يُبنى لهم وهو يديرون بالاسم حيث كل شيء عندهم يديره غيرهم....لكن أكيد مع الزمن وبشكل بطيء سيظهر جيل تتحجر عنده القيم غير الملائمة لتطوره.

لذلك اليوم لا يعود أبناء هذه المجاميع الكبيرة والمؤثرة الى ناصع أيام اجدادهم التي كانت بعد احتكاك اجدادهم بغيرهم من وافدين او السكان الأصليين أي احتكاك البداوة بالحضارة او تبادل المنفعة بين البداوة والحضارة فللفريقين قيم نافعة لو اُحسن الربط بينهما لتأكد للجميع ان هناك حركة للأمام وليس صراع بداوة وحضارة.

يتبع لطفاً

 

عبد الرضا حمد جاسم

 

 

في المثقف اليوم