أقلام حرة

صادق السامرائي: المُصطنعات!!

صادق السامرائيالأمة ترزح تحت صولات المصطلحات العنيفة المبثوثة فيها، للنيل من وجودها وتحطيم إرادتها ومحق هويتها، وما أكثرها، ومنها مصطلح "الإصطناع"، وهو ليس بجديد بل تحرك في أجيال الأمة على مدى القرن العشرين، ولا يزال يصول ويجول في أروقتها.

وبموجبه تأسست الحركات والأحزاب القومية التي نادت بالوحدة، على أساس أن الدول العربية لا وجود لها، وأنها كيانات مصطنعة عليها أن تزول وتذوب في دولة الوحدة المتوَهَمَة.

وتجدنا اليوم أمام أقلام تروّج له، وفقا لدوافعها العقائدية التي لا تؤمن بوطن، وتميل للولائية والتبعية، وتعيش في أوهام دولة الإسلام الكبرى، التي تنتفي فيها الأوطان والدول.

فهل وجدتم دولة غير مصطنعة؟!!

البشرية تواصلت في عصور الإمبراطوريات حتى نهاية الحربين العالميتين، أي إلى ما يقرب من سبعة عقود خلت، فالدول المعاصرة في معظمها تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، وأكثرها بعد الحرب العالمية الثانية، ودول المنطقة العربية من أعرق دول الدنيا في كياناتها وتسمياتها، فأسماؤها ضاربة في أعماق التأريخ الإنساني.

فالبشرية ما كانت تعيش في دول كما هي اليوم، لقلة النفوس ولهيمنة القِوى التي تتغير بين فترة وأخرى، وبعد حروب مريرة إرتأت نخبها أن لا بد من الدول المتفاعلة بإيجابية مع بعضها لتجنب الحروب الفتاكة، وقد أسهم تنامي البشر، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، بالتأكيد على إصطناع المزيد من الكيانات التي تسمى دولا، ولهذا فأن عدد الدول الموجودة في الأمم المتحدة في تزايد، إذ تضاعفت بعد تأسيس عصبة الأمم المتحدة.

ولهذا فالقول بأن دولنا مصطنعة ينم عن جهل وعدم دراية ومعرفة بالتأريخ، وعلى الذين يروّجون لهذا المصطلح أن يطلعوا على دول أوربا، وسيكتشفون أن معظمها دول مصطنعة، وكيانات تأسست لتأمين التعايش السلمي وصناعة الحياة الأفضل.

فالأوطان الأرضية بمسمياتها المتنوعة وتوصيفاتها، مصطنعة لخدمة الناس التي تتوطنها، وتعزيز إرادة الحياة وتواشج القدرات والطاقات وتفعيلها.

فهل لنا أن نتفكر ونبحث وندرس قبل أن نكتب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم