أقلام حرة

صادق السامرائي: العقل والقرآن!!

صادق السامرائيمنذ فترة مبكرة تفكرتُ بالقرآن، وفي مرحلة الصبا حاولت حفظه وتجاوزت ثلثه، وحالت الدراسة بين تواصلي، فمضيت على علاقة تفكرية معرفية به، ولا زلت، مع شعوري بأن لا بد من التفرغ التأملي، لإدراك أمهات الأفكار وجواهر القوانين الإيقانية والمعارف النورانية.

وفي بدايات تفاعلي مع القرآن، إكتشفتُ أن جهابذة الفكر الحضاري حفظوا القرآن في صباهم، ذلك أن التمعن الواعي الإدراكي العميق بالكلمات القرآنية، والعبارات الواردة في الآيات، تنقل التفكير إلى مستويات علوية، وتؤهل العقل لإستحضار الأفكار الأصيلة، القادرة على صناعة الحياة الأفضل، ورسم خارطة الصيرورة الكبرى.

وبسبب هذا التعمق الإدراكي المعرفي الدؤوب الفياض، تحقق الإشراق الإبداعي في العقول، وتأكدت مسيرة حضارية ذات شواهد شامخة وقدرات فائقة.

فما تركته الأجيال المنوَّرة بالقرآن، لا تستوعبه عقول الأجيال التي إبتعدت عن النسغ الإدراكي الصاعد، المتدفق في عروق المنطلقات السامية المتنامية إلى فضاءات العروش الإيقانية، والمدارات الخلقية، المتوّجة بأفياض البديع، والمؤهلة لإطلاق إرادة " كن" البرهانية.

هذه الأجيال المقعدة إدراكيا، والمكبلة بالجهل والأمية المعرفية،  تتوهم الدراية وتغط في تنور الآهات، المصطلي بما يمنع التوثب إلى مدارات التعرف على مفردات الكينونة الكونية، والسيرورات الحافة بعوالم المنتهى الأبعد والإتساع الأشسع.

فأصبح العدم ديدن، والجهل معدن، والعلم أوهن، وتحولت المسيرة التنويرية إلى إضطرابات وتفاعلات متلاحية، وتواصلات متعاتية، وإيقاعات متهاوية على سفوح الإنحدارات الكوارثية، المصطخبة المتشانئة المتحاملة على جوهر الأنوار القدسية، وينابيع الإنبثاقات المعرفية، الملهمة لرواد الحضارات والتفوقات الإبداعية، الكفيلة بصناعة الوعاء الكوني المطمئن، الحاوي على قيم ومعايير وآليات التفاعلات الإشراقية المثمرة، اللازمة لتجسيد قدرات المخلوق الذي جاء ليرقى، أو ينأى عن البلاء والشقاء، ويؤسس لجنات الأفكار الفيضوية، المتشاخبة المتواردة من عيون أدري، المحدقة بأنوار الإنبهار والخشوع والإمتنان ليقظة الإقتدار المبين!!

 ترى، "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها"؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم