أقلام حرة

صادق السامرائي: التأريخ العلمي والدموي للأمة!!

صادق السامرائيتأريخ الأمة العلمي منبوذ، والمتداول تأريخ الدم والسيف والبطولات المكللة بقطع الرؤوس، فالقوة في القتل، والضعف والهوان في العلم، هكذا تم إيهام الأجيال تلو الأجيال.

وأسهم الأدباء وخصوصا الشعراء والفقهاء في هذا المشروع التدميري لوجود الأمة، وطمس حقيقتها العلمية وجوهرها الحضاري.

فلن تجد في قصائد الشعراء غير المديح لما هو عنيف ودامي، ولا في مدونات التأريخ ومروياته ما يشجع على العلم والألفة والمحبة والقيم الإنسانية، فالقوة أن تغزو وتحتل وتغنم وتسبي، وتكون وحشا شرسا مستحوذا على حقوق الآخرين.

فالتأريخ يحدثنا عن معارك السيوف والخيول، وكم حصدنا من الرؤوس في هذه المنازلة أو تلك، ولا يحدثنا عن التفاعلات الفكرية والإنجازات العلمية والمبتكرات والإبداعات الأصيلة، لأنها من الممنوعات ولا تتوافق مع تأمين مصالح الطامعين بالأمة.

ولهذا فأن كلمة تأريخ تكون مقرونة بالدماء والدموع، ولا يوجد فيها ما يحفز على العلم والجد والإجتهاد، ووفقا لهذا المنظور تأسس الوعي الجمعي للأجيال، وصارت العلاقات ما بين الناس مبنية على آليات عدوانية إنتقامية ذات تداعيات فتاكة.

وليس من السهل تحرير العقل العربي من المفاهيم السلبية المقرونة بالتأريخ، التي تحاول أن ترسم صورة مشوهة عن الأمة، وتقدمها بتكرارية ضاغظة للأجيال المتوافدة.

فدراسة التأريخ في المدارس تعلم ما هو سلبي وعدواني ومتوحش، وتحسبه عنوان البطولة والإقتدار والقوة.

وعندما تكتب عن تأريخ الأمة الفكري والعلمي والمعرفي، تواجه بالرفض والنكران، لأنك تغرد خارج السرب، وتريد أن تتفاعل مع العقول لا مع العواطف والنفوس المتأججة بالإنفعالات السلبية المحمومة.

فالكتابة بالدم مطلوبة ومرغوبة، والكتابة بمداد المعرفة الصادقة أكذوبة، وتلك حالة أمة يُراد لها أن تعيش في مواقد النيران، وتنكر النور الذي به أشرق جوهرها، وتألق فكرها.

فهل من عودة إلى أصالة التأريخ؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم