أقلام حرة

صادق السامرائي: الأفكار بين الواقع والخيال!!

صادق السامرائيما أكثر الأفكار المحلقة في فضاءات الخيال، والغارقة في فنتازيا الرؤى والتصورات المتخاصمة مع واقع لا تعرفه ولا تتصل به، ومن النادر العثور على أفكار منبثقة من تربة الواقع الذي تتصدى له، فتضع المعالجات الكفيلة بمعافاته وتحريره من الأوذان.

ومسيرة الأمة تخبرنا بأنها، ومنذ بدايات القرن التاسع عشر، قد برز فيها نهضويون ومفكرون ورموز متطلعة لإعادة ترميم وجودها، وإطلاق جوهرها الحضاري المنير، ومع توالي العقود وتواكب القرون، لم تصل الأمة إلى مبتغاها، وما إستعادت إرادتها الفكرية والمعرفية المتنوعة.

وعندما نتساءل عن أسباب التعثر والإحباط والإنكسار، نكتشف أن العلة في المفكرين أنفسهم، الذين فشلوا في إستحضار الأفكار المتوائمة مع الواقع، والمحركة لمفرداته بإتجاهات ذات قيمة إنجازية معاصرة، ذلك أنهم إنغمسوا بالموضوعات الدينية، وغطسوا في التراث والمعاصرة والتأريخ، والذين تسيدوا في القرن العشرين، عملوا على فرض نظريات الآخرين على المجتمع.

فالمتعلمون في الجامعات الأجنبية جاؤونا بفرضيات ونظريات ومناهج أساتذتهم، الذين تعلموا منهم ومنحوهم الدرجات العلمية، وعملوا على تدويخ رؤوس الأجيال بطروحات ما نفعت الأمة.

وتجدنا اليوم نتحرك على ذات السكة التي لا توصل إلى محطة نجاة واحدة، والغريب أن الأجيال لا تعتبر ولا تتعلم من الماضيات مهما تقاست، وأصابت مكانها وزمانها بالوجيع.

وها هي الأفكار الخيالية، المتقاطعة معنا تنتشر في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، وتتسابق نحو الصدور بكتب وموسوعات، لا قيمة لها سوى إلهاء الأجيال بموضوعات عبثية خالية من الجدوى الحضارية المعاصرة.

فالذي يهيمن على الفضاء المعرفي العربي، إسهاب في الكلام، وإمعان بالهذربات التي تسمى فكرية وفلسفية، وهي بعيدة عن نبضات الحياة الفاعلة فوق التراب، مما تسبب بشروخ واسعة ما بين أبناء الأمة ونخبها، فكل منهما في وادٍ سحيق وبعيد عن الآخر.

فهل لنا أن نتعلم كيف نفكر، ونترجم الأفكار إلى مشاريع حيوية عملية ذات قابلية على التحقق والتطور والتواصل بتلاقحها، فالتفكير ليس كلاما مسطورا، ولا راحُ غثيان؟!!

وهل من إيمان بقيمة الإنسان ودوره الحضاري الفتان؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم