أقلام حرة

صادق السامرائي: المأمون والمأمون!!

المأمون (198 - 218) الخليفة العباسي السابع، ولد من جارية فارسية إسمها مراجل، توفت بحمى النفاس بعد ولادته بأيام، وهناك قصة مشكوك بها مفادها أن إمرأة لعبت الشطرنج مع هارون الرشيد (170 - 193)، وعندما فازت عليه، طلبت منه أن يواقع أقبح جارية، فذهب وإختار مراجل فحملت بالمأمون.

ويُقال أن زبيدة هي التي ربّته، وهذه قصة أخرى مشكوك بها، لأن المتعارف عليه أن أولاد الجواري يتم قتلهم من قبل نساء الخلفاء، وذلك للحصول على ولاية العهد لأولادهن، وأكثر الظن أن عائلة البرامكة هي التي رعته وأنشأته، وحمته من غائلة الموت الحتمي.

والدليل على أن زبيدة لم تقم بتربيته، أنه إذلها إذلالا شديدا بعد أن تولى الخلافة.

المأمون هو الإبن الأكبر لهارون الرشيد، والأمين (193 - 198) يصغره بستة أشهر، لكن زبيدة وبنو هاشم أجبروه على إعلان ولاية العهد للأمين وهو في سن الخامسة، وبعد أن بلغ المأمون سن الثانية عشرة من المحتمل أن البرامكة أرغموه على إعلان ولاية عهد ثانية له.

وقد جاء هارون الرشيد بسابفة، إذ أخذ ولديه وهما صبيان معه للحج، وأعلن عهدته لهما على أن يكون الأمين ولي عهده ومن بعده المأمون، ووزع الدولة بينهما وأشهد عليهما، وعلق العهدة في الكعبة.

ويبدو أنه حاول تفادي ما حصل بينه وبين أخيه الهادي (169 - 170)، الذي أراد خلعه من ولاية العهد ووقف معه البرامكة وأثنوه عن التنازل له.

وبعد ذلك يبدو أن الأمور أخذت تتضح أمامه وكأنه صنع مأساة، فجعل إبنه المؤتمن ثالث ولي عهد، ربما ظنا منه لتحقيق التوازن بين الطرفين.

ومن المعروف أن المأمون والأمين قد تلقيا عناية تربوية وثقافية قل نظيرها، فهما من أكثر قادة التأريخ علما وثقافة، ولا يمكنهما أن يكونا في مقام واحد، فالطبيعة البشرية تحتم عليهما التماحق والفوز لأحدهما.

والرشيد عاش أصعب أيامه بعد نكبة البرامكة (187)، وأمسى تحت رحمة أولياء عهده، حتى توفى في مدينة طوس بخراسان وصار الأمين خليفة، ويروى أنه أفرج عن المحتجزين من البرامكة، وبدأت الصراعات ما بين العرب المؤازرين للأمين في بغداد، وأخوال المأمون الملتفين حوله في خراسان، حتى إنتهى الأمر إلى إجتثاث الأمين، وما يتصل به من أولاد ونساء، ويقال حتى الحوامل منهن تم قتلهن، وقضي على ذريته، وجيئ برأسه إلى أخيه المأمون، ولاقت أمه زبيدة العربية الهاشمية إذلالا مروعا.

وربما أصيب المأمون بصدمة وهو يرى رأس أخيه، ولهذا ما جاء لبغداد إلا بعد سنتين أو أكثر، ولم يعهد لأبنه بالخلافة من بعده، بل لأخيه المعتصم (218 - 227)، وهذا القرار أدى إلى تآمر إبن المأمون على عمه المعتصم، وإنتهى بقتله.

هذه قراءة مكثفة لما ترشح في الذاكرة عن الواقعة المأساوية التي نجمت عن سلوك هارون الرشيد، والذي يشير إلى أنه كان رمزا لما يقوم به البرامكة قادة كل شيئ حتى نكبتهم، والعُهدة على كتب التأريخ وما حوته.

ويبقى المأمون بكل ما له وما عليه من أعلم القادة، وحامل مشعل التنوير الإنساني العلمي والمعرفي على مر العصور، فالعقل إمامه، وصراطه المستقيم، وما أنجبت البشرية قائدا كمثله!!

التواريخ: هجرية

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم