أقلام حرة

فاضل الجاروش: الحرب في اوكرانيا مثالا

ان اصل الصراعات البشرية وحتى الحيوانية هو الحاجة لتحصيل الموارد والخوف من عدم تحصيلها. على أن منشأ هذا الخوف لا يتعلق دائما بعدم توفر هذه الموارد وانما يتعلق باحتمال نقصها أو فقدانها عندما تتطور رغبة ضمان الموارد إلى الرغبة في زيادتها مما يخلق حالة من عدم التوازن في توزيعها توزيعا عادلا مما يؤدي إلى نشوء جهتي الصراع حيث ان من يطلب الزيادة سيكون طرفا مهددا بالقوة والطرف الآخر سيضطر أن يكون مدافعا بالقوة، بعد ذلك تصبح نقطة الصدام أمرا حتميا وهذا مايحصل حتى مع الحيوانات عندما تتجاوز على مناطق نفوذ جماعات أخرى فتحصل المواجهة المسلحة بالانياب والمخالب ..

الحرب الأوكرانية

مع حصول الصدام المسلح حول مناطق النفوذ (الموارد) في الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ - ١٩٤٥ بعد غزو المانيا لبولندا .. 1/9/1939 لتوسيع مناطق نفوذ الدولة الألمانية لتحقيق هذه الزيادة في الموارد، أصبح لزاما على مجموعة من الدول أن تدخل الصراع دفاعا عن مناطقها التي أصبحت في دائرة التهديد لذلك وبعد يومين فقط أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في خطوة استباقية أو مايسمى الدفاع بالهجوم وهو مايسمى بجهاد الدفع في الأدبيات الإسلامية عندالشعور بتهديد وشيك ..

وضعت الحرب أوزارها بعد أن فرضت القوة منطقها ليتم إعادة رسم خارطة النفوذ من جديد بناءا على ما أفرزته الحرب من معادلات جديدة، ومن افرازات الحرب شكلت بريطانيا وفرنسا تحالفا مشتركا (اتفاقية دونكيرك 1947)

والتي شكلت نواةً لحلف الناتو وُقع في واشنطن 4/4/1949 من 12 عضوا مؤسسا هم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرتغال، والنرويج، ولوكسمبورج، وإيطاليا، وأيسلندا، وفرنسا، وكندا والدنمارك، وبلجيكا .. ثم توسع الحلف إلى 31 دولة من امريكا الشمالية واوربا وقد كان من أهم اهداف تشكل هذا الحلف المعلنة التصدي بشكل جماعي لأي عدوان على أي دولة من دول الحلف [المادة 5 من الاتفاقية] وهي تنص على حق الدفاع الجماعي إذا تعرضت واحدة من الدول أو عدد منها أو أحدى مناطق سيادتها في العالم [ الجزائر أحد مناطق سيادة فرنسا .. مثالا ] إلى الخطر أو الاعتداء لاحظ أن الدواعي المعلنة لتشكيل الحلف كانت دفاعيةتتعلق بحفظ حدود وأمن اعضائها وقد كان أحد أهم الأعداء المحتملين هو الاتحاد السوفيتي، الا أن سايكولوجية الطبع البشري تبقى هي الحاكمة على سلوكه لذلك سرعان ما تحولت دواعي التأسيس من الدفاع عند حصول اعتداء أو احتمال الخطر إلى التوسع بداعي الدفاع ضد خطر محتمل وهذا عنوان فضفاض يحتمل تجاوز مناطق النفوذ [النزعة البشرية لتحصيل الزيادة في الموارد] وهذا ماحصل عندما بدأ الحلف باغراء ألمانيا الغربية للانضمام إلى الحلف وقد حصل ذلك فعلا في 5/5/195 حيث أثار هذا الانضمام مخاوف الاتحاد السوفيتي ودول الشرق فتم على إثر ذلك وبعد عشرة أيام فقط انشاء حلف وارسو في اجتماع عقد في العاصمة البولندية لتكتل عسكري من عدد من دول المعسكر الشرقي هي بالإضافة إلى الاتحاد السوفياتي عدد من الدول .. ألبانيا بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، جمهورية ألمانيا الديمقراطية [ الشرقية] المجر و بولندا و رومانيا.. حيث كانت بدايات الحرب الباردة [الدفاع بالردع] مما أدى إلى سباق تسلح رهيب أدى إلى صدام على كل المستويات مادون الصدام العسكري المباشر ومن أشكال هذه الأنشطة يأتي النشاط الاقتصادي والاستخباراتي والجاسوسية وبناء وتطوير مختلف أنواع الأسلحة استعدادا لكل الاحتمالات وكان من نتائج هذه الحرب الباردة سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو في 25/2/1991 وكان من نتائج تفكك الاتحاد السوفيتي ايضا انفصال عدد من جمهورياته مما أدى إلى نشوء نظام القطب الواحد المهيمن وهو الولايات المتحدة الأمريكية مما أسقط كثير من الخطوط التي كانت سائدة في نظام تعدد الأقطاب من هنا بدأت الإدارات الأمريكية المتعاقبةبفرض نفوذها على المناطق ذات الموارد الطبيعية والمواقع الاستراتيجية في مختلف مناطق العالم دون وجود رادع وقد كان من نتائج انهيار الاتحاد السوفيتي هو انكفاء روسيا وصعود الصين كقوة اقتصادية ناعمة تتمدد بشكل حثيث دون ضجيج كبير إلى أن وصلت إلى أن تكون منافس ومهدد اقتصادي عالمي وبينما كان الغرب يتعامل مع معطيات التمدد الصيني بدا أن الروس كانو يعملون بصمت لاسترجاع بعض مما فقدوه واول ذلك هو وضع خطوط حمراء لايريدون للغرب تجاوزها ومن ذلك أن لاتكون حدود الناتو على مقربة من الأراضي الروسية مما أدى إلى جولة جديدة من النزاع بين الشرق الاقتصادي المهدد والمتمثل بالمارد الصيني والقوة العسكرية الروسية التي احتفظت بمجد السوفيت بامتلاكها معظم الترسانة النووية والتي تفوق مالدى الغرب مع تدعيم صامت للأسلحة التقليدية لتصبح الوريث الشرعي للدولة السوفيتية، كانت نقطة الصدام المحتملة هي اوكرانيا لأنها تمثل حدا فاصلا بين الغرب والشرق ولطول الحدود بين البلدين 1576كم وللقوة الاقتصادية الاوكرنية وكذلك وجود الأقاليم الشرقية ذات الأصول الروسية كانت أولى الخطوات نحو الحرب هي دعم ودفع الإدارة الأمريكية والتي تقود حلف الناتو حراكا شعبيا مناهض للحكومة الأوكرانية المتحالفة مع موسكو ومن ثم تمكنت من إسقاطها وتولي زيلينيسكي المصنوع أمريكيا الرئاسة في اوكرانيامما جعل حلف الناتو واقعيا على الحدود الروسية حتى قبل السعي لانضمامها للحلف مما نقل الصراع إلى مربع الصدام المباشر المحتمل لذلك كان من الطبيعي أن يتخذ الروس اجراءات تتعلق بتأمين الحدود مع الناتو وذلك بتحريك النزعة الانفصالية لإقليم الدونباس [اهم المناطق الصناعية الاوكرانية] مما أدى إلى ان تقرر جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصال من طرف واحد ما اشعل صراعا عسكريا محليا بدعم من طرفي الصراع الدولي وصولا إلى عقد اتفاقية [منسك / بلاروسيا] 2014 والتي شاركت فيها السلطة الأوكرانية والحكومة الروسية وممثلين عن الجمهوريتين الانفصاليتين وإشراف مجموعة اتصال اوربية متمثلة بألمانيا وفرنسا وتم إعادة صياغة الاتفاقية 2015 بعد فشل وقف إطلاق النار عدة مرات الا أن ذلك لم ينجح أيضا ما أدى إلى

اعتراف روسيا بانفصال الجمهوريتين من طرف واحد وبعد ذلك تنظيم استفتاء للانضمام إلى الاتحاد الروسي وصولا إلى نشوب الحرب الروسية الاوكرانية ..

من بدأ الحرب !!؟....

دائما ما يشار إلى من يعبر الحدود ويطلق الرصاصة الأولى على أنه هو من بدأ الحرب وهو الذي سيتحمل النتائج القانونية والأخلاقية والإنسانية خصوصا اذا خسر الحرب اما ان ربح الحرب فأنه حتما سيوصف بالمنتصر نعم أن الجيش الروسي هو من عبر الحدود واطلق الرصاصة الأولى ولكن هل فعلا هو من بدأ الحرب ؟ في الواقع وبصرف النظر عن من سيربح الحرب والتي في الواقع ليس فيها رابح الا من اضطر على خوضها فأن من بدأ الحرب هو من جمع الحطب ومن سكب عليه الزيت ومن وضع عود الثقاب بيد احمق يقف عند برميل البارود وهذا مافعله حلف الناتو عندما أوهم الروس بانه طرف محايد في اتفاقية منسك ولكنه لم يكن كذلك حيث استثمر الاتفاقية لكسب الوقت لتعزيز القوة العسكرية للجيش الأوكراني على مقربة من برميل البارود [ حدود روسيا مع الناتو] التي أصبحت اوكرانيا تمثل امتدادا له من قبل أن تنظم إليه وهاهو الاحمق زيلينيسكي يمسك بعود الثقاب قرب كومة الحطب التي جمعها الحلف واغرقها بالزيت على الحدود الروسية وهذا ماصرحت به أنجيلا ميركل عندما قالت أن اتفاقية منسك كانت فقط لكسب الوقت لتمكين اوكرانيا من الاستعداد للحرب ..

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم