أقلام حرة

اسعد عبد الله: الدولة القوية وعوامل الانهيار

سؤال طرح كثيرا في النقاشات السياسية في التلفاز وفي المقاهي وحتى في الباص وهو: كيف يمكن ان نشهد ولادة دولة قوية مع وجود مجموعة شركاء متنافرين مختلفين وبعضهم غارقين بالفساد، مع تعدد الولاءات الخارجية، وتقديم المصلحة الفئوية على مصلحة البلد! لذلك من الصعب القول انها دولة قوية، مع مرور عشرون عاما على الخلاص من حكم الطاغية صدام، لكن بقي البناء متلكأ، نعم مر البلد بظروف استثنائية، لكنها ايضا بسبب هشاشة الدولة واختلاف الشركاء وتعدد الولاءات، والا لما حصل ما حصل.

سؤال آخر مهم: هل هناك مشروع لبناء دولة قوية يتبناه الشركاء ومطروح في العلن وخلفه ارادة سياسية؟

- الأحزاب ومشروع الدولة القوية

عمليا يمكن القول لا توجد اي مشاريع لبناء دولة قوية، فقط شعارات وتصريحات للاستهلاك الاعلامي والضحك على السذج، اما الواقع الفعلي فان العمل خلاف ذلك خصوصا في فترة الكاظمي حيث تبخر وجود الدولة تماما، نعم الان نستشعر وجود الدولة عبر السيد السوداني ومساعيه في تغيير الواقع، لكن الشركاء على نفس نياتهم السابقة، وتراكمات العشرون عاما صعب ان يذيبها جهد رجل واحد، ويشخص كل العراقيين ان هنالك خلال في النظام الانتخابي لانه لا ينتج الا الشركاء ونفس نسبهم، لذلك صعب جدا بناء دولة حقيقية فيها سيادة للقانون على كل الأفراد.

حتى ان بين فترة واخرى تنطلق اخبار مساعي لاسقاط النظام والانقلاب على الشرعية، كما أوضحها احد الساسة المعتقين في تصريحات علنية حدد توقيتها في عام 2024 وقال: "يسقط جميع الشركاء بقبضة قوى خارجية قوية".

لذلك من الصعب أن تتواجد دولة قوية في القريب العاجل ضمن هذه الظروف الموضوعية.

- شعارات × شعارات

مشكلة اغلب الاحزاب ان مازالت تعيش ثوب المعارضة، مع انها شركية في الحكم، لكنها تصور نفسها لجمهورها أنها معارضة وضد الفساد، في شعارات فارغة غير واقعية لتسفيه وعي الجمهور، والغير انه يصدق ما يلقن به! فبعض الساسة والاحزاب كل همها ان تدغدغ مشاعر الجمهور وتناغي مشاعره، وتعبر عن ما في داخله، وتنهق في العلن مطالبة بدولة قوية ذات قانون وسيادة، وتلعن الفاسدين، مع انها شريك في الحكم وشريك بالفساد وشريك بتقاسم الكعكة، وانها لها حصص ثابتة في الوزارات والمؤسسات والصفقات الخفية.

واغلب هذه الشعارات يرفعها الساسة منذ التسعينات ولم تتغير مع ان كل شيء تغير، وهم الآن في الحكم وبيدهم السلطة.

ونجد التحشيد من الان عبر نفس شعارات العتيقة بصور زاهية  تناسب مرحلة الانتخابات القادمة، بأنهم ضد الفساد وضد الدولة الضعيفة، ومن جديد يسعون لكسب ود الشباب والناس المتعبة من عقدين ضاعت فيها ابسط حقوق الانسان مثل توفر العمل او السكن.

- ثقافة الأحزاب

يمكن القول أن الشعار السياسي أنه يعبر عن ثقافة الحزب، وإذا ذهبنا للساحة اللبنانية التي تشابه الساحة العراقية بكثير من الوجوه ومنها ضعف الدولة وتنوع الشركاء، فاننا نلاحظ ان الشعار هناك يمثل جزء من روح وحركة الحزب، ويتناغم مع نبض الشارع المحلي، وهي تنطلق من فكرة ورؤية مستقبلية، وان يصمد الشعار أمام عاصفة الانتخابات والشعارات المضادة لأفكار مخالفة، مع التركيز على الثوابت مثل الدستور.

لكن في الساحة العراقية نجد ان بعض الاحزاب تشكك في كل شيء حتى في الدستور، وترسم للجمهور خط التشكيك لتسير به، وتحارب بعنوان الخيانة كل المختلفين معهم، فهي تترفع عن الكل تعتبر نفسها صاحبة الحق المطلق، مع أنها واقعا شريك في كل شيء طيلة عشرون عاما.

لذلك إن أردنا تغيير الواقع يجب أن تتغير ثقافة الأحزاب وتكون مبنية على احترام الآخر، والاعتقاد بأن الكل سواسية امام القانون، وان الانتخابات يجب ان تكون بعيد عن شعارات المزايدة التي تستخدم فقط تسقيط الاخر من دون أن يكون لها اي امكانية لتحقيقها مستقبلا.

-عوامل الانهيار

يمكن تلخيصها في:

1- ارتفاع الصوت الطائفي او الفئوي والتشديد على مصلحة الحزب فوق اي مصلحة اخرى.

2- ثقافة الحق المطلق التي تلتزم بها بعض الأحزاب وتعاليها عن الشركاء سيكون احد اكبر عوامل انهيار الدولة.

3- الكذب على الجماهير عبر شعارات فارغة لا يسعى الأحزاب لتنفيذها فقط لتدغدغ مشاعر الجمهور وتجعله أسير الحلم وكي تضمن انها يبعها موالي لها يعطيها صوته.

4- تسقيط الآخر عبر مختلف الوسائل فقط لانه ينافس على الحكم، فلا تجد الا سلاح التسقيط وبأي أسلوب كان يتخذ من شعار الطغاة الغاية تبرر الوسيلة منهج عملي لها.

5- محاربة سيادة القانون لانه يعني انتهاء زمن سطوتها وتقليص مكاسبها، لذلك هي شديدة الحرص على ضعف القانون.

6- غياب مشروع بناء دولة قوية ذات منهج عادل عن الأحزاب الكبيرة المتنافسة على الحكم.

- اخيرا:

الامنيات كبيرة بان يتحول العراق لدولة حقيقية فيها سيادة للقانون على الكل، وفيها يرتفع الوعي وتختفي الخرافة، وان تكون دولة عادلة تدافع عن الانسان حتى أمام الديناصورات الكبيرة، وأن تكون دولة راعية للفقراء وكبار السن وتحفظ كرامتهم وتوفر لهم كل ما يحتاجونه، وان تكون الأحزاب واعية بثقافة انسانية راقية، وأن يختفي الصوت الطائفي ويرتفع صوت الوطن، وان تكون الأحزاب صادقه مع جماهيرها، وشعاراتها نابعة من الصدق، عندها نجد الحلم الذي تبحث عنه الاجيال العراقية عبر القرون.

***

الكاتب: اسعد عبد الله عبدعلي

في المثقف اليوم