أقلام حرة

شاكر عبد موسى: نحن وفلسطين

في المرحلة الابتدائية، مطلع ستينيات القرن العشرين كنا ننشد قبل خروجنا من المدرسة ظهراً أنشودة "أمجاد يا عرب أمجاد".. كان صوتي يرتفع بحماس يعلو على أصوات زملائي الصغار، كنا أبرياء لا نعرف آنا نعيش في مختبر التضليل السياسي المبرمج .

وفي المرحلة الإعدادية دربونا على حمل السلاح (بندقية ألية كلاشنكوف 7،62ملم روسية الصنع) لتحرير فلسطين من الكيان الغاصب، ولم يخبرونا أن اسرائيل تمتلك قنابل نووية وانشطارية، واثناء التدريب كنا نردد (فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية)، خدعونا بشعاراتهم القومية الفضفاضة التي أنطلت علينا حينها، وبدلا من أن نذهب لتحرير فلسطين ساقونا الى الجبهة الشرقية لمحاربة أيران وتحريرها من المجوسية كما يدعون،  في حرب دموية أستمرت لمدة ثمان سنوات، بعدها أدخلونا في حرب مدمرة أخرى مع الكويت حينما أحتلوها في 2 أب عام/ 1990 وقالوا عنها المحافظة التاسعة عشر، وأنها تسرق النفط العراقي.

كما علمونا في المناهج الدراسية أن الصفر هو اختراع عربي، والمعلم قال لنا أن كليلة ودمنة قصص عربية، وأن العرب لهم مجد في العلوم الطبية فأبن سينا طبيب عربي٠٠٠طيلة سنوات اعتبرت ذلك مسلمات قبل أن أكتشف أن الصفر اختراع هندي، ولم يعد بالإمكان لأي معلم أن يكذب على تلاميذه بعد أن حصلت الهند على براءة اختراع للصفر وتكريما عالميا لها، بل وصارت هي المشرفة على تتويج علماء الرياضيات في العالم، وقصة كليلة ودمنة حكايات هندية ترجمت إلى الفارسية ونقلها أبن المقفع الفارسي إلى العربية، وأبن سينا طبيب من أوزبكستان، فصارت كل فكرة مسلمة درستها في المدرسة هي موضع شك حسي حتى يثبت العكس، حتى تلك الأنشودة صارت تعني لي كهف علي بابا والأمجاد المسروقة.

واليوم وبعد أن بلغ عمري السبعين عاماً، لم تُّحرر فلسطين وإنما حُّررت الكويت من الغزو البعثي الصدامي بعد أن استعانت بالمجتمع الدولي ودول التحالف لإنقاذها من أخوة يوسف المتجبرين.

واليوم الكثير منا يقول ان قطاع غزة سوف يدمر عن بكرة أبيه، وان حماس لن تستطيع مجابهه إسرائيل بسبب عدم تكافؤ القوة، واخر يقول انهم يقاتلون بالنيابة .. الى اخره من الكلام.

نعم من حيث الواقع والنظرة الموضوعية ان العدو مدعوم دوليا ويمتلك من المعدات والأسلحة المتطورة تكنولوجيا، وفي كل مره يحدث فيها اعتداء تدمر فيه غزه وتفقد الكثير من ابنائها، وهناك من القادة العرب من يتفاوض مع إسرائيل ويتوسل بها لوقف أطلاق النار بغض النظر عن الجرائم التي تقترفها بحق الشعب الفلسطيني ويجلس ويتاجر بها .

لكن الواضح ان العمليات التي تقوم بهما حماس والجهاد الاسلامي في شمال غزه وفي الداخل قد اربك العدو وافقده الكثير، فأعداد القتلى والاسرى الكبيرين يحدث لأول مره وبهذا الحجم، ولأول مره تجري عمليات في العمق الإسرائيلي بهذا الشكل، وتحقيق خسائر عسكريه وبشريه واقتصاديه فادحة وبأسلوب المباغتة والسرعة في التنفيذ، وابتكار صيغ جديدة في الهجوم ومنها استخدام المظلات والزوارق والطائرات المسيرة واعداد المهاجمين الذين تجاوزوا المئات، وامدادات الهجوم الذي لازال مستمرا.

كل ذلك حطم أسطورة العدو الذي لا يقهر، وحطم معه استخباراته التي طالما تبجح بها بعد ان تعاون مع دول محيطه اقليمية ودوليه تعطيه كل نوايا لأي هجوم محتمل مما يتيح إجهاضه قبل حدوثه وحتى منظومة القبه الحديدية اثبتت فشلها بعد اعداد الصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي مما خلق حالة من الفوضى والخوف والرعب لدى المستوطنين.

اما دمار المدن فقد اعتادت غزة على الدمار سواء بهذا الهجوم او غيره واعتادت على القصف الجوي واما عن الشهداء فان غزه ولدت والمقاومة شعلة فيها تنتفض حتى يشعر الجميع شيبا وشبابا واطفال ونسوة بانهم مشاريع للاستشهاد بالفعل لا بالقول كما يدعي الاخرون ممن يحملون مشاريع المقاومة اسما لا فعلا ففي غزة من النادر ان تجد بيتا لا يوجد فيه اسير او شهيد او مقاوم .

حفظ الله غزه، ورحم شهداءها، وشافي جرحاها، وافرج عن اسراها ومعتقليها (وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

***

شاكر عبد موسى/ العراق/ ميسان

كاتب وأعلامي

في المثقف اليوم