أقلام حرة

فاضل الجاروش: حقيقة الدين ودين الواقع‎

أنه فارق شاسع يعبر عن شكل استقبال منظومة القيم وكيفية التعاطي معها، حيث أن الدين في حقيقته لايمكن تمثيله بناءا على اختلاف الافهام احيانا واختلاف الدوافع في أحيان كثيرة وهو الراجح حيث أن الدوافع تتعلق بالرغبات والأهواء وهي الضاغط الأكبر والأقوى في تحديد مواقف الإنسان ولأن التفاوت في الدوافع هو ما يميز الطبع البشري فإنك ستجد حتما اختلافا في كيفية تلقي الحق الذي تمثله منظومة القيم الإنسانية التي تمثل هذا الحق بصرف النظر أن كان عنوانها دينيا سماويا أو أن عنوانها كان مُنتجا بشريا حيث ستجد الاختلاف والخلاف يظهر عند أول محاولات المجتمعات البشرية للاتفاق على صيغ السلوك الخاص والعام، مما يؤدي حتما إلى تدافع يُنتج بالضرورة انقساما يكون في بدايته انقساما أفقيا بينيا ينتج عنه حتما استقطابا يتحول لاحقا إلى انقساما عامودياً يتجلى على شكل جماعات أو تيارات سياسية وفي مراحل لاحقه أكثر وضوحا الى هياكل اجتماعية ذات رؤيا سياسية بخلفيات ومذاهب عرقية أو دينية وفي تجليات متقدمة ستجد أنها تنحو منحا اقتصاديا ايضا كنتيجة حتمية للصراع البشري حول الموارد وفي المؤدىٰ النهائي سيكون الحق هنا هو العنوان الأخلاقي والإنساني الذي لن يختلف عليه أحد كمنهج ولكن الاختلاف سيظهر في إسقاط هذا المنهج على الواقع وجعله منهجية عمل حيث سيتمحور النزاع حول الكيفية التي لطالما اختلف الجنس البشري حولها، ذلك أن الإنسان بصفة عامة لايمكنه الا أن يدعي ويتبنى العنوان المُشرف رغم التباين في النَزَعات بين الأفراد مادام ذلك في إطار الادعاء الذي لن يكلف صاحبه شيئا فهو ادعاء قليل التكلفة ماديا ومعنويا وكذلك على مستوى ضمان عدم التعرض لضرر جسدي أو مادي او معنوي فهو بهذه الحدود سيكون متماهياً مع غيره في تبني الحق مادام المحك ناعماً سلساً لايسبب ضررا بعد ذلك عندما يوضع على محك خشن يُتوقع منه (ضررا) عند تبني منهجية موافقة لمنهج الحق أو (غرضا) عند تبني منهجية تُعارض منهج الحق، فأنك ستجد كم هو موهوب هذا الإنسان في تبرير أفعاله وتسويغ قراراته وصولا إلى تبني الباطل والوقوف في وجه الحق رغم أنه يقف تحت نفس اليافطة ويتبنى نفس المنهج الذي يتبناه المخالف، بعد ذلك عندما نُسقط هذه الفكرة العامة على العنوان الديني في تمثيل فكرة الحق فأنك ستجد أن الأمر يأخذ أبعادا أكثر تعقيدا حيث أن البعد الأخلاقي يصبح ضاغطا اجتماعيا صارما عند ادعاء الحق ظاهريا لأن هذا الادعاء يستجلب الفخر وتحقيق فارق نفسي ومعنوي مضاف إلى تحقيق تلك الفوارق والعناوين الدنيوية، فان كان ذلك يحدث في صراع في مرتبة تحديد افضل المسارات المحتملة في الحد الأدنى لتعريف الحق وهو مسار بشري يعتمد على قواعد منطقية يحكم فيها العقل البشري دون وجود الفاعل الديني فكيف إذن أن انتقلنا إلى تعريف الحق بالعنوان الديني ! وما في ذلك من فارق هائل في النظر إلى ماهو مشروع وما هو غير مشروع من القوانين والنُظم والسلوك الخاص والعام والذي يرتب على المكلف تكاليف تمس كثير من المصالح الفردية والجماعية سلبا أو إيجابا بحسب الموقف من هذا الذي يمثل عنوان الحق ومنهج الحق الذي يراد له أن يتحول الى منهجية عمل وسلوك .. !؟

الفقيه هو نقطة الارتكاز

عندما نتحدث عن تحويل المنهج إلى منهجية عمل فأن ذلك لايمكن تحقيقه من دون أن يكون هناك مكلف بإسقاط ذلك المنهج على الواقع تقنينا وتفعيلا وذلك لافرق فيه بين المنتج البشري والقانون الإلهي، فكلا المنهجين بحاجة إلى فقيه متعلم مختص لصياغة منهجية التطبيق لذلك ترى أن صياغة القوانين في النظم الحديثة توكل إلى فقهاء في مختلف المجالات الدستورية والقانونية وغيرها، على أن عنوان الفقيه هنا هو المتفقه في أي اختصاص وليس حكرا على مااصطلح عليه الفقيه في العلوم الدينية ما اريد قوله هو أن أول خطوات الاختلاف تنشأ مع تعيين الفقيه في مركز القرار بما يتناسب مع اختصاصه حيث تظهر تلك النزعات الشخصية والاختلاف حول الكيفية المناسبة لتحويل ذلك المنهج إلى منهجية عمل.

كما أن الفقية هو نقطة الارتكاز فأنه ايضا نقطة الخلاف.

كما أسلفت أن وجود وتعيين فقيه هو حتمية منطقية ومرتكز أساسي لإسقاط المنهج على الواقع وتحويله إلى منهجية عمل وحيث أن الاختلاف بين الفقهاء هو أيضا حتمية منطقية يفرضها الفارق في تحصيل المعرفة والفارق في الدوافع الذاتية على أن هذا الفارق في القدرة المعرفية والاختلاف في النظر والاختلاف في الدوافع النفسية والرغبات الذاتية سيمثل المحك الخشن الذي سيحدد مواقف الناس من الحق لسبب واقعي وهو أنه لا ملازمة بين العلم والايمان _ الا بمقدار ما يظهر من سلوكيات ومواقف الفقيه في الواقع العملي، من هنا يبدأ الاختلاف بالتحول إلى خلاف ومن ثم إلى اصطفاف ومن ثم إلى انقسام عامودي ديني ثم مذهبي ثم تعمل آلية الانسياق ثم آلية الازاحة التي ينتج عنها الانقسام الديموغرافي الذي سيُكرس القيم الخاصة ويُغلبها على القيم العامة وصولا إلى الانقسام في أضيق حدوده وهو الانقسام على جزئيات الاختلاف من مثل عنونة المساجد وتحويلها من عنوانها العام ك بيوت الله إلى مسجد الطائفة ومسجد الجماعة الفلانية بعنوان الفقيه المُقَلد أو مسجد الطريقة الكذائية بعنوان صاحب الطريقة، ان وجود الفقية كمعلم حتمية وجودية ووجوده ايضا هو سبب الانقسام والانشقاق عندما يحيد عن كونه معلم إلى كونه صاحب طريق أو صاحب طريقة والحال أن الحق والحقيقة واحدة في أصلها أما دين الواقع فأنه طرائق قددا

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم