أقلام حرة

عبد الخالق الفلاح: قوات فاغنر ومستقبل المخاطر

الأكاذيب والمتناقضات التي تم بموجبها تمرير مسلسل فاغنر لا يمكن تصديقها لأن روسيا يقودها رجل قوي وهو الرئيس فلاديمير بوتين، ولديها أقوى جيوش العالم وبالتالي فإن من الصعب انقلاب شركة عسكرية خاصة عليها،  وإطلاق قائده ايفجيني بريغوجين سلسلة التهديدات حتى بالوصول إلى موسكو، وأعلان السيطرة على مقر القيادة في روستوف ومراكز عسكرية في مدن أخرى.

 أن فكرة الانقلاب داخل روسيا ليس سهلاً ومن الصعب تحقيقه في هذه الظروف، خاصة أن بوتين رجل قوي، ولديه نموذج معقد يجعل من فكرة الانقلاب عليه فكرة غير واقعية ولا يمكن عبوره  دون أن يقضي عليهم ولم يكن من الواضح ما هي الموارد التي يمكن لبريغوجين الاستفادة منها فيتمرده وتقول الانباء انه' عثرت الشرطة التي فتشت مكتب هذه القوات في سانت بطرسبرغ  وسيطرت على 4 مليارات روبل (48 مليون دولار) في شاحنات خارج المبنى، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الروسية التي أكدها رئيس شركة فاغنر' إن الأموال كانت مخصصة لدفع رواتب عائلات جنوده 'ولا تزال هناك تكهنات بشأن وجود صفقة رسمية يراد منها تصفية العناصر التي لايراد منها البقاء في القوات المسلحة الروسية او يشك في امر ولائها للقيادة الروسية ولم يكن اخراجهم والتحقيق معهم من الصعب بالطرق التقليدية،خاصة بعد أن أعلن الكرملين مغادرة قائد المجموعة إلى بيلاروس، ووقف الدعوى الجنائية المرفوعة ضده في موسكو، وعدم ملاحقة عناصر المجموعة الذين شاركوا في التمرد المسلح ويعتقد البعض بانها كانت  لحظة عصيبة في تاريخ روسيا وكادت ان تنجح في دخول موسكو لوجود دعم لهذا التمرد من أفراد في جهاز الأمن الروسي ولكن وساطة من رئيس بيلاروسيا دفعته ليأمر قواته بالتراجع وعدم اقتحام موسكو والحقيقة انها كانت فبركة معدة وادوار ممثليها باتت واضحة وموزعة ولن تطوي على احد والتي خان التوفيق اصحاب هذا السيناريو عند كتابته ودارت احداثه بين روسيا وبيلاروسيا التي تتحمل مسؤولية احتضانها واوكرانيا ، وما تزال الروايات عنه تتوالي بعد ان اصاب الخرس التام قائد هذا التنظيم الارهابي المسلح ' قائد مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين' والذي ارادوا له ان يختبئ فيه مؤقتا وحتي اشعار آخر، وعما سوف يكون عليه دوره الجديد في لعبة اعادة توزيع الادوار بين روسيا وحليفتها المقربة بيلاروسيا ورئيسها كلاشينكو .

 أصبحنا نسمع الشئ ونقيضه في نفس الوقت مع تصريحات متضاربة من قبل أعلى دوائر اتخاذ القرار في موسكو ومينسك.. وهو ما دفع بولندا وغيرها من دول الجوار إلى التعبير عن مخاوفها وقلقها مما يجري على حدودها مع بيلاروسيا والذي يمكن ان يكون لقائد مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية المسلحة بخططه الجديدة دور مهم فيه... ومثل هذه المخاوف الامنية لا بد وان تكون لها أسبابها ودواعيها وشواهدها، ولا يمكن ان تأتي من توهم او فراغ... الإخراج المتخبط لمسرحية قوات فاغنر وتمردها المسلح والسؤال الذي اخذ يتداول بين الناس هو ما الزوم لكل هذا الذي خمد وانتهي بنفس السرعة التي حدث بها دون أن يحقق شيئا من أهدافه التي بدأ بها الإعلان عن نفسه وفاجأ به العالم لفرط جرأته , شدة تهوره وظهر به وكأنه فوق الدولة وقواتها المسلحة وأنه هو من يعرف مصلحة الشعب الروسي أكثر منهم ؟ ولماذا لم يتفقوا على رواية واحدة في موسكو ومينسك لخرجون بها على العالم أكثر حبكة ومنطقية واكثر مصداقية وقبولا دوليا عاما لها من هذا الذي جرى وما يزال يجري واصبح مدعاة للسخرية َوالتندر، أو للدهشة والاستغراب في احسن الاحوال  لان التساؤل المثار في كل مكان في العالم هو:  أين الحقيقة في كل ما يتحدثون عنه ويطلبون من تصديقه ومجاراتهم فيه؟ والذي لا غبار عليه هو اننا امام احد اخطر التنظيمات الارهابية المسلحة في العالم والمدعومة سرا وعلنا بقوة الدولة الكبرى التي أخذت بالحديث عن المخاطر القادمة لهذه القوة والتي تنتمي اليها وهي روسيا، ولهذه الجماعة المسلحة التي تحمل اسم فاغنر للتمويه وصرف الأنظار عن الهدف الحقيقي من وجودها،لها انشطة سرية كثيرة بعيدة عن الأضواء في العديد من المناطق والقارات، وهي اشبه بجبل الجليد العائم يخفي من المعالم ما هو أكبر بكثير مما يظهره، ولهذا كان كل هذا الارتباك والتخبط في مرحلة تغيير القيادات وإعادة توزيع الأدوار، وتغيير الخطط والوسائل والاستراتيجيات ومراكزالنشاط...شغلوا العالم وما يزالوا بما لم يكن يستحق ان يشغلوه به.. أما عن الهدف من اخراج  ما جري بهذا الشكل الغريب وغيرالمفهوم، فيظل سره عندهم وحدهم، فهم من خططوا ونفذوا وهم من اداروا المشهد بطريقتهم الملتوية منذ بدايته وحتى الآن.

***

عبد الخالق الفلاح

 

في المثقف اليوم