أقلام حرة

علي علي: أمشي واكول وصلت

لايخفى على أغلبنا أن شرائح المجتمع العراقي جميعها، طالتها مآسٍ عديدة على مر العصور، ونالها ما نالها من الضيم والقهر الكثير، ليس من الدول التي تعاقبت على احتلال البلد فحسب، بل على يد بعض من تسلطوا عليه من أبنائه، وتسنموا مراكز قيادية في مراحله كافة وعلى أعلى المستويات، فكانوا بئس الولاة على أبناء جنسهم وذويهم، في الوقت ذاته كانوا نعم الأذناب وخير تبّع للغريب والمحتل والطامع، فجسدوا بفعلهم هذا قول معروف الرصافي:

كلاب للأجانب هم ولكن

على أبناء جلدتهم أسود

والتاريخ الحديث زاخر بمثل هذا الشخصيات، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى يومنا هذا، إذ نرى بين الحين والآخر بروز شخصيات تحمل الجنسية العراقية، وتنطق من اللهجات البغدادية او الموصلية او الأنبارية او البصراوية، او تتكلم اللغة الكردية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل ضد العراق، وضد العراقيين من محافظاته وقومياته كافة. وفي كل أحوال المتسلط على حكم فئة او مجموعة او بلدة، ومهما كبرت او صغرت الرقعة التي يحكمها، فهو مسؤول عن كل ما يحدث لرعيته وما يتعرضون له، ومن ضمن واجباته الوطنية والأخلاقية، أن يدرأ عنهم الشرور والأضرار من أي مصدر تأتي منه، وهذا النهج يسير على خطاه الإنسان السوي حصرا، فمن المؤكد أنه يُدخل في حساباته مسؤوليات الراعي تجاه الرعية، كذلك مسؤوليات الرأس أمام المرؤوس، وسيكون العمل الصالح برنامجه وديدنه، وسيعتمد المهنية في إتقانه، وسيحرص على المثابرة في مراحل عمله، وستثمر بالتالي حساباته هذه عن معطيات ونتاجات تصب بالنتيجة في صالح الجميع. أما لو كان غير سوي، فإنه سيضرب كل هذه القيم والمبادئ عرض الحائط، وسينأى عن طريق الصواب بأشكاله كلها.

اليوم ونحن نعيش حقبة رئيس وزراء يختلف عمن سبقوه -بشهادة كثيرين- فقد أعلن بنفسه أن حكومته هي حكومة خدمات، وهو ماضٍ في طريق تحديث مؤسسات البلد وإنعاشها، بتكليف قيادات تنفيذية مهنية تقوم بواجباتها كما يُفترض، وبذا يكون من أولى مسؤولياته اختيار الشخص السليم ووضعه في المكان السليم، سواء أكان وزيرا أم وكيل وزير! ويدخل ضمن مسؤليته أيضا الانتباه لمن سيأتي بهم الوزير من مديرين عامين. وبذا على السوداني التحلي بصفة من صفات الذئب، تلك هي أن ينام بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، وليأخذ من تجارب من سبقوه عظة وعبرة، وبغير هذا سيكون النكوص حليفه، والارتقاء الذي ينشده سيتبدل الى هبوط الى أسفل السافلين.

إن على السوداني وضع السلبيات التي لازمت نفرا من شخصيات الماضي أمام ناظريه، والتي مازال جلها يمارَس حتى اللحظة، إذ أن كثيرا من ساستنا ومسؤولينا، نأوا عن العمل الصالح أيما نأي، واستبدلوه بأعمال لاتمت الى الصلاح والفلاح والعرف الإنساني والوطني ولا الى الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، وخدمة أسياد لهم جندوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وإقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، هاملين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لكتلهم وأحزابهم التي أتت بهم، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم.

لقد ارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقوّلوا بالكلام السليم وحادوا عنه، وأطلقوا الوعود المعسولة وأخلفوها، وقطعوا العهود الموثوقة ونكثوها، وأقسموا بالله العظيم وحنثوا بيمينهم، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب، ومازال دأبهم هذا لغايات لاتخدم البلاد والعباد، فاستباحوا حقوق شعبهم، وتركوا المواطن يدور داخل حلقة مفرغة، ما كاد يمسك طرفها، إلا ضاع منه طرفها الثاني، وقد طال به المسير دون جدوى، وحذا حذو المرحوم (أبو سرحان) بقوله:

أمشي وأگول وصلت والگنطره بعيدة

***

علي علي

في المثقف اليوم