تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

ثامر الحاج امين: الموتى يفتحون أعين الأحياء

منذ فجر التاريخ والبشرية تشهد صراعا قائماً بين الحق والباطل، وكان الصراع السياسي من بين أكثر الصراعات احتداما وشراسة، فهو حلقات متواصلة من العنف بين الحكومات القمعية من جهة وشعوبها المتطلعة للحرية والعدالة الاجتماعية من جهة اخرى وقد أفرزت هذه الصراعات حقيقة لا تقبل الشك هي ان العنف لا يوّلد الا العنف وان الطغيان مهما تجبّر لابّد وان يصطدم يوما بمقاومة شرسة تتفجر نتيجة الكبت ومصادرة الحريات، ولا يخفى ان العنف هو الاداة الخاصة للحكومة وتلجأ اليه من أجل تركيز سلطتها والحفاظ على مكاسبها بداعي الإصلاح حينا والقضاء على الفتنة حينا آخر غير مكترثة بتداعيات هذا السلوك الأحمق في ادارة الأزمات الذي يكشف عنه الكاتب ليو تولستوي في قوله (كل اصلاح يُفرض بالعنف لا يُعالج الداء، ان الحكمة ان تبتعد عن العنف) وموضوع العنف بات مادة دسمة للعديد من الأعمال الأدبية والفنية ومنها السينما حبث قدمت مئات الأفلام التي تناولت العنف وتداعياته على السلم الأهلي ومن بينها فيلم (موسم ابيض جاف) ــ امريكي انتاج 1989 ــ الذي يقدم مثالا على سوء تصرف الحكومات مع المحتجين على سياستها والمطالبين بحقوقهم المشروعة في العدالة والمساواة، فالفيلم في اطاره العام يتناول التمييز العنصري واضطهاد السود في جنوب افريقيا، ومثل هذا السلوك السياسي ليس ظاهرة تفردت بها هذه الرقعة من العالم انما هو سلوك عام مارسته الأغلبية ضد الاقلية في اماكن متفرقة بسبب الاختلاف باللون والدين والمذهب والعرق، اما في الجزئيات التي قام عليها الفيلم ففيها قواسم مشتركة مع ما حدث لدى شعوب متعددة، ففي جزئية منه يتحدث الفيلم عن قيام الاجهزة الامنية باختطاف صبي متظاهر وتصفيته في أقبيتها السرية الأمر الذي يثير الخوف والهلع  في صفوف مجتمع السود، ومن أجل تدعيم الثقة في نفوس ابناء جلدتها والشد من عزيمتهم تخطب فيهم والدة الصبي المغدور قائلة (يجب ان يعرف الناس الحقيقة، الأحياء يغلقون أعين الموتى، الآن الموتى سوف يفتحون أعين الأحياء) تأتي هذه الثقة بتداعيات مقتل البريء وحتمية ايقاظ الاخرين من سباتهم لتذكرنا بما حصل لدينا في تظاهرات تشرين التي بدأت بأعداد قليلة ولكن ما ان سقط عدد من الشهداء حتى هب الاخرون بغضب عارم  قضّ مضاجع القتلة، فأرواح الشهداء هي التي استنهضت واشعلت في نفوسهم روح الثورة والتغيير. ولا ننسى ان الشاعر الجواهري سبق ان وظّف هذه الحقيقة في رثاء اخية جعفر شهيد وثبة كانون 1948 يوم حذر القتلة في قوله (ان جراح الضحايا فم) فدماء الشهداء تستصرخ الضمائر وتشحذ الهمم من اجل نيل الحرية.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم