أقلام حرة

فاضل الجاروش: آية السيف ام آية الرحمة‎

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ «التوبة 5»

ربما هذه هي الآية الوحيدة في القرآن التي اتفق على معناها بعض او كثير من المسلمين جهلا منهم مع الملحدين وكثير من المتمردين على الاسلام اما جهلا او غَرضاً على ان الطرفين قد اتفقا على وضع اسم او عنوان لهذه الاية وهو آية السيف علما ان هذه التسمية غير موجودة وليس لها اصل ولكن ذلك ماتهوى انفسهم، لقد تم استخدام هذه الآية للطعن على الاسلام وتصويره على صورة الارهاب في مشهديات مصنوعة بحرفية الميديا الاعلامية التي تصور المسلمين وكانهم يحملون سيوفهم ويجوبون الطرقات والازقة للقبض على المشركين وقتلهم في مايشبه ملاحقة الالمان لليهود في المخابئ والطرقات للتنكيل بهم وقتلهم والواقع أن هذه الاية من سورة التوبة قد تم عزلها من سياقها القراني وكذلك بتر اولها وجعل الابتداء فيها كلمة «اقتلوهم حيث وجدتموهم» وما لهذه العبارة من أثر سلبي من الناحية النفسية الانسانية والاخلاقية والواقع انها ليست اية السيف وانما حولوها الى سيف يضربون به المسلمين بان دينكم دين ارهابي انتشر بحز الرقاب اما انا فسؤسميها «اية الرحمة» وهي كذلك بلا شك ولا ريب فهي اية تصف بيئة الحرب التي كانت قائمة بين المسلمين والمشركين والتي يحدد الله تعالى فيها ماعلى المسلم أن يفعل بحلول الأشهر الحرم وهي تعتبر عهدا بين المتحاربين على أن لايعتدوا على بعض، بمعنى أن لايخرقوا الهدنة لذلك فأن الله تعالى هنا يشير إلى ضرورة الالتزام بالهدنة واحترام العهود بقوله تعالى « فأذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين » بمعنى أنه إن حصل أن وجدتموهم قبل ذلك لايحق لكم قتالهم أو قتلهم، ان الآية تتحدث عن أجواء الحرب ولاتتحدث عن قتل المشركين حيث وجدتموهم في أجواء السلم ! وهذه هي نقطة الالتباس التي تثار دائما عند اخذ عبارة فاقتلوهم من سياقها وتصوير المسلمين وكأنهم يحملون سيوفهم في الأزقة بحثا عن المشركين فيترصدوهم ليقتلوهم الحقيقة ان هذه الآية عبارة عن إعلان لقواعد الاشتباك بالمفهوم الحديث لحالة الحرب بعد انقضاء الهدنة مع إنقضاء الأشهر الحرم وماينتج عنها من احتمالات

لاحظ أن الله تعالى برحمته وعطفه يضع المشرك المحارب امام أحد ثلاث خيارات أولها أن يُقتَل وهو محارب وهو هنا في محل يمكن له أن يقتُل أو أن يُقتَل أو أن يقع في الاسر « فإن تابوا فخلوا سبيلهم أن الله غفور رحيم» أو أنه كما جاء في الآية التي تليها والتي يقفز المتصيد عليها وهو قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ «التوبة اية 6». لاحظ هنا، يقول لك الله، أن اقتلوهم حيث وجدتموهم ليس لأنهم مشركين وانما أن كانوا مشركين محاربين معتدين ناكثين للعهود فكيف يقول لهم اقتلوهم حيث وجدتموهم ومن ثم يقول لهم وان أحد من المشركين استجارك فأجره ! ثم اسمعه كلام الله بمعنى ادعوه إلى الإيمان ومن ثم أبلغه مأمنه لاحظ هنا أمر دقيق وهو أنه لماذا على المسلم أن يبلغ المشرك مأمنه !! اتعرف لماذا؟

ذلك لأنه مشرك غير محارب في أجواء الحرب وقد يُقتَل بالشبهة أو غيلةً وكل ذلك مرتكز على قدسية العهد في الاسلام لذلك تم ترتيب كل هذه الأحكام بين المتحاربين والأخذ بالاعتبار غير المحاربين من المشركين كل ذلك بلحاظ العهد بعدم القتل والقتال في الأشهر الحرم وذلك قول الله تعالى في الآية 4 من سورة التوبة والتي يضع فيها الله تعالى بيئة الحدث ومايناسبه من حكم شرعي أمامك لكي تنظر ببصرك وتحكم ببصيرتك لا أن تقفز فوق الآية 4 وتنتقي الآية 5 وتعزلها عن السياق وتبتر أولها لتخرج بنتيجة مشوهة بدوافع هوى النفس الإمارة بالسوء، بأن الإسلام دين بالقتل لذلك اعود من حيث ابتدأت واقول إن الإسلام « قواعد عامة وليست قواعد تامة » لذلك ليس من العقل أن تقول إن داعش مثلا قتلة. الاف الايزيديين وهم في الواقع يقتلون اي مخالف لمنهجهم المنحرف عن حقيقة الدين التي تحددها قاعدة عدم الاعتداء في الآية المباركة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ « البقرة 190 »

وما هو سبيل الله الذي يأمرنا أن نقاتل دونه الا سبيل الاستقامة؟

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم