أقلام حرة

صادق السامرائي: الإبداع المنحرف!!

ربما تساءلنا لماذا يكثر الشعراء في ديارنا؟

إنّ الشعر إبداع وخلق، وإستحضار للأفكار وصبها في قوالب ولوحات مرسومة بالكلمات.

فالإبداع رفيق الشعر، وكثرة الشعراء تعني كثرة المبدعين، ولكن لماذا ينحصر الإبداع في الشعر دون غيره؟

يبدو أن الإنسان الذي يعيش في حصارٍ وإنضغاطٍ داخلي وتكبيل لقدراته وطاقاته، وتجميد لأفكاره وتطلعاته، لا يجد منفذا أفضل من الشعر لسكب الأفكار والإبتكار والإبداع.

فالواقع خانق مانع، وتتوفر فيه عوامل سلبية، تنامت في النصف الثاني من القرن العشرين، لذا تنامى عدد الشعراء، بالقياس إلى عددهم في النصف الأول منه، إذ ربما كانت تتوفر مساحة من حرية التعبير عن الطاقات الإبداعية والإبتكارية.

إن إقامة الموانع والمصدات أسهمت بإنحراف الطاقات وإنحسارها في زاوية الشعر، كفضاء لإستيعابها، للذي لا يجد المجال للتعبير عن أفكاره الصناعية والإقتصادية والزراعية والعمرانية، وغيرها من أفكار العصر ومتطلباته، لأنه موضوع في صندوق الوطن، الذي تحول إلى مستنقع خانق طغت فيه الدماء على الماء.

فزيادة عدد الشعراء يتناسب عكسيا مع حرية التعبير عن القدرات والطاقات والظروف المواتية لتنميتها، وهو يعكس حالة التأخر السائدة في المجتمع.

وعندما تتوفر الفضاءات الإجتماعية اللازمة للنماء الإقتصادي الشامل، فعدد الشعراء سيقل وسيتحرك المجتمع بإتجاه المواكبة والتفاعل المعاصر مع الآخرين.

فظاهرة كثرة الشعراء تعني أن الطاقات البشرية تسير بغير إتجاهها الصحيح، والبلد في إنحسار وتمزق وإندثار، وتراكم مقاساة وتنامي معاناة وهموم.

ولا يعني تقليلا من شأن الشعراء ودورهم الثقافي، لكنه يشير لظاهرة إنحراف إتجاه الطاقات الحضارية المعاصرة.

فأيهما أفضل للمجتمع أن يوظف الإنسان طاقاته في إنتاج مادي نافع فيه جدوى إقتصادية وإختراعية مؤثرة، أم أن يوظفها في كتابة الشعر؟

إن المجتمع مطالب بتوفير السبل اللازمة لإستثمار الطاقات الفوارة، لتحقيق الربح الإقتصادي والعمراني، والبناء الشامل للوجود الوطني في كل مكان.

ومن غير رفع الضغط وتحطيم جدران الحرمان وأسبابه ومفرداته السيئة، وما يترتب عليها من حاجات يومية قاهرة، لن نصنع التقدم والحياة الأفضل، وسنبقى ندور في دائرة مفرغة تنتج كلاما لا يمنع من برد ولا يطعم من جوع.

فهل سنخرج من خنادق الكلام إلى ميادين العمل والجد والإجتهاد، وإحترام الأفكار وإستثمارها للتعبير الأمثل عن القدرات الخلاقة الكامنة فينا، ويكون كلامنا مخبرا عن عمل أنجزناه لا مجرد مداد على لوح الفراغ!!

***

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم