أقلام حرة

مضر الحلو: أزمة الخطاب الديني (5): أسباب الإخفاق (3)

خامسا- يراهن عدد غير قليل من الخطباء – من الذين أصبحوا نجوما على الفضائيات- على ما يدره خطابهم الطائفي المأزوم المتسخ بسباب الاخر، والنيل من مقدساته، ولعن رموزه، من الشهرة والمال اضافة إلى السلطة الروحية بأيسر الطرق وأقلها جهدا. وهؤلاء عادة ليس لهم حظ من التحصيل العلمي الجاد، ولم يتحلوا بثقافة عامة، فصار هذا الخطاب بضاعتهم الرائجة في مجتمعاتنا الاسلامية في السنين الاخيرة. مخالفين بذلك سيرة النبي (ص) وآل بيته الكرام، ضاربين بها عرض الجدار.

يلاحظ أن السمة البارزة لهذا الخطاب هي العدوانية تجاه الاخر المذهبي أو الديني مفترضا على الدوام وجود عدو، وخصم لابد من مواجهته، "وعادة ما تتلفع هذه الخطابات بغطاء، يصاغ عبر شعارات استنهاض واستغاثة تثير المشاعر، وتوقد العواطف، وتحرض على الانخراط في عداوات وحروب باسم الله"، والعقيدة. ما خلق شرخا في الأمة يتعذر رتقه في الأمد المنظور، ورسم حواجز منيعة بين إنسان وآخر سواءً بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم وبين الآخرين. اضافة إلى زعزعة ونسف أسس العيش المشترك، كان أحدهم في خطبة عامة تبث على الفضاء يعتبر طائفة من البشر (الكرد) قوما من الجن يكره التزويج منهم! معتمدا على مرويات ضعيفة لم يُقم لها العلماء المتخصصون وزنا، إذ بناءً عليه يلزم عدم تكليفهم كتكليف الإنس! أسوق ذلك على سبيل المثال وإلّا فالشواهد أكثر من أن تحصى.

سادسا- أحد الأسباب الهامة لابتعاد الخطاب الديني عن التأثير في إصلاح المجتمع خضوعه لنمطين يغلبان عليه فهو:

إما كونه خطاب تبجيلي، تنزيهي، تمجيدي، تزلفي في الغالب، يُقرّ الناس على اخطائهم بل يمتدحهم عليها إرضاءً ومداراة.. يبتعد الخطيب فيه عن كل ما يجعلهم يستاؤون منه وبالتالي ينفضون عنه، يخشى ممارسة نقدهم في حال جانبوا الاعتدال في تمثلات الدين وتطبيقاته، لا يؤشر على عاداتهم السيئة وممارساتهم الخاطئة، وشعائرهم الدخيلة بل هو مواضب على كيل المديح لهم، وانهم الافضل من بين الامم على ما هم عليه من أخطاء، أو جهل وتخلف، وانهم الناجون الوحيدون يوم القيامة، وما خلقت الجنة الا لهم! لا لأنهم يعملون الصالحات بل لأنهم مسلمون وكفى!!

ولّد هذا النمط من الخطاب حالة من الزهو والرضا عن الذات يمتنع معها ان يفكر الانسان بحاجته إلى إصلاح منظومته السلوكية والفكرية، فضلا عن المبادرة بالإصلاح، ناهيك عن حالة التعالي على الاخر وازدرائه. يحصل ذلك في وقت احوج ما يكون مجتمعنا لمن يصارحه بمشاكله المعرفية والثقافية، وأمراضه الروحية والأخلاقية، ويمارس نقده في بعض أنماط حياته وعاداته. ما أحوج مجتمعنا إلى من يحمل مشرطا كمشرط الجراح ليزيل الكثير من الأورام الخبيثة التي انتشرت في جسده فأنهكته وأضعفت مناعته لدرجة أصبح يقبل كل ماهو غث وساذج، ولا يميز بين ما يضره وينفعه، بين من يريد به سوءا ومن يبتغي له رفعة وسموا. أقول ذلك

مدركاً ضرورة تعضيد الحالة النفسية لأفراد المجتمع، وتأكيد ثقتهم بأنفسهم والتركيز على النقاط المضيئة التي يتحلون بها.

مقابل هذا الخطاب هناك خطاب توبيخي، مغرق بالتقريع والانتقاد اللاذع الهدام، والطرق المستمر على رؤوس الناس، واستخدام عبارات قاسية محبطة، غير محفزة خصوصا حين يكون الخطاب موجه لشريحتي الشباب، والنساء الذين يعيشون فضاءً خاصا لايمكن تهذيبهم والتأثير عليهم بهذه اللغة العنيفة الجارحة مما يؤدي الى نفورهم من الخطاب الديني وسائر مخرجاته.

***

مضر الحلو

في المثقف اليوم