أقلام حرة

صادق السامرائي: عين جالوت والشعراء!!

هي معركة (عين جالوت) التي قضت على الهجمات الهولاكية، وأنقذت البشرية من صولات الإبادات الجماعية المؤيَّدة بأوهام وهذيانات إعتقادية مروِّعة.

وهي من الإنجازات البطولية الحقيقية المغيّرة لمسيرة التأريخ، والمستعيدة لهيبة وعزة الأمة، والمنطلقة بها إلى مواطن جوهرها، والمؤكدة لإرادتها الأبية المؤيدة بنصر عظيم ومقيم.

وهي دليل على أن الأمة لا تتحطم، وإن إنكسرت وتمكن منها الغدر والتعاون مع أعدائها والطامعين بوجودها.

فالأمة تبقى طودا شامخا، معبرا عن مسيرة الإنسان بما فيه، وما يمر به ويبدر منه، وهي المطواعة المتحملة المقتدرة الكانزة لطاقة القوة والإقتدار، وعلى أجيالها أن تفعّلها، وتنطلق من جذور منبتها الأصيل.

ولابد من الإشارة إلى أن فردا مؤمنا بجوهر أمته وإرادة صيرورتها الأبدية العلية، يستطيع إستنهاضها وتأمين مقامها الحضاري الرفيع.

ولنا أن نتعلم من سلوك (قطز)، الذي بعث الحياة في أمةٍ حسبت أنها ماتت ولن تقوم لها قائمة!!

"قطز" الذي حكم مصر لأقل من سنة واحدة (1259 - 1260)، الملقب بالملك المظفر سيف الدين، إسمه قطز محمود بن ممدود بن خوارزمشاه.

ولد في (2\11\1221)  ببلاد ما وراء النهرين، وأغتيل بالصالحية في مصر في (24\10\1260) من قبل الظاهر بيبرس، بعد خمسين يوما من نصره الذي غيّرَ مسار التأريخ.

وهو إرادة أمة تتجمع في فرد مؤمن مغوار أنقذها من رقدة العدم، وقد تجسدت هذه الإرادة الملحمية الإيمانية المطلقة في شخصه، وبموجبها إنتصر على التتار في معركة "عين جالوت" (3\9\1260) أي بعد أقل من سنتين من سقوط بغداد.

إذ خرج بجيش لا يمكن مقارنته بجيوش التتار، لكنه مسلح بإيمان مطلق بالله، وبأن الله سينصر عبده، ولا ينقض عهده، فكان له نصرا مبينا، وفتحا أمينا، وهزيمة نكراء لهولاكو وجنده، لم يتحمل هوانها فمات بقهره وذله بعدها!!

تلك المعركة الأسطورية التي لم يفها التأريخ حقها، إنها نور وأنوار، وإرادة أمة تجلت بصيحات أللهم أنصر عبدك وجندك على المارقين.

إنها معركة إنتصار حق على باطل، ومؤمن على غادر، وتعبير عن صوت الله الإيماني الهادر.

إنها حالة تتكرر في الأمة، وأظنها إقتربت من ظهور قطزها الذي سيعيد لها جوهر ما فيها من الإقتدار.

هذه الحالة الفريدة المتميزة الوهاجة الخارقة، لا نجد شاعرا واحدا يتغنى بها، أو يصف لنا سجالاتها، ويحدثنا عن قائدها الذي زعزع أركان المتوحشين المدمرين لمعالم الحضارات.

إنه لغز محير، من الصعب حله، مثلما لا تجد في شعر البحتري ما يشير إلى ملوية سامراء والجامع الكبير!!

فهل أن الشعر كان تجارة، وبموت القائد فقد سوقه وما عاد مربحا؟!!

وهل وجدتم شعرا عن الحالتين؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم