أقلام حرة

علاء اللامي: كلمات عربية فصيحة منقرضة ولكنها حية في العامية العراقية فقط (4)

مميزات العامية العراقية: مقارنة بالمندائية واللغات واللهجات الجزيرية السامية الأخرى بل وحتى باللهجات العربية في بلاد الشام ومصر يمكن اعتبار العامية العراقية من أقرب العاميات إلى اللغة العربية الفصحى؛

فمن حيث حروفها فهي تستعمل جميع حروف الأبجدية العربية بما في ذلك الحروف الروادف الستة (الثاء، الخاء، الذال، الضاد، الظاء والغين) كما هي ودون تحريف أو إبدال لفظي كما يحدث لها في اللهجات العربية الأخرى، إضافة إلى الأصوات غير الموجودة بهيئة حروف في الأبجدية العربية الفصحى فهي موجودة في العامية العراقية أيضا؛ كالجيم الثلاثية أي الكاف المكشكشة (چ) والقاف الحميرية (الجيم غير المعطشة گ) والباء البابلية المثلثة (پ) في عدد من الكلمات الدخيلة (ذات الجذور غير العربية)  من قبيل (پردة  - پنكة – پاچة)؛ في حين أنَّ الأبجدية المندائية فقيرة جدا وعدد حروفها 22 حرفاً وبعض حروفها الموجودة في أبجديتها لا تلفظ كما هي كحرف الحاء الذي ينقلب إلى هاء، والعين  التي تنقلب إلى همزة، مثلما يحدث لهذين الحرفين الجزيريين "الساميين" على ألسنة الأجانب الأوروبيين وغيرهم.

ومن حيث معجميتها فاللهجة العامية العراقية تحتوي في معجمها المنطوق على نسبة كبيرة من المفردات العربية الفصيحة المنقرضة أو النادرة التداول ولكنها مُمعْجَمَة في المعاجم القديمة، ومن حيث غناها بالمفردات الكثيرة من رواسب اللغات الرافدانية القديمة واللغات من بلدان الجوار كالفارسية والتركية.

لقد ضمَّنت في كتابي السابق (الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام) قويمساً يحتوي شبكة واسعة من المفردات العربية القديمة الحاضرة في اللهجة العراقية المعاصرة. ومن هذا القبيل أوردنا المفردات التالية التي لا ترد في أي من اللهجات العربية المعاصرة، بل ولا تستعمل في اللغة العربية المكتوبة الفصيحة "الوسيطة" بما في ذلك في العراق ولكنها موجودة في العامية العراقية؛ وسأدرج أدناه مفردات في قائمة قصيرة كمثال على ما ذكرته في كتابي سالف الذكر، وسأضع الكلمة كما تلفظ في العامية العراقية والعربية الفصحى، ثم معناها وأخيرا أذكر التوثيق المعجمي مع اسم المعجم أو الكتاب الذي ورد فيه:

برطيل = رشوة - البِرْطِيلُ: بكسر الباء الرشوة / المصباح

مدردحة / دردحة = المرأة التي طولها وعَرْضُها سواء. والجمع: درادِحُ/ الوسيط

أريحي = الْوَاسِع الْخلق النشيط إِلَى الْمَعْرُوف يرتاح للندى وَالسيف/ مختار القاموس

نازك =أثلها هادي العلوي في معجمه المعاصر من عشبة الناسك وهي عشبة شديد الخضرة كما يقول الرائد، أرض ناسكة: خضراء حديثة المطر.

دحس=أدخل اليد بين جلد الشاة وصفاقها للسلخ. والداحوس قرحة او بثرة تظهر بين الظُّفر واللحم/ مختار القاموس

برطم= البرطمة الانتفاخ غضبا. وتبرطم: تغضب من كلام

ملخ= الملخ جذب الشيء وامتلخه: انتزعه. وامتلخ سيفه: استله / مختار القاموس. وفي اللسان: المَلْخُ: قبضك على عضَلَة عضّاً وجذباً.

دفر= الدَّفْرُ: الدفع. دَفَرَ في عُنُقِهِ دَفْراً: دفع في صدره ومنعه؛ يمانية. ابن الأَعرابي: دفَرْتُه في قفاه دَفْراً أَي دفعته/ اللسان. وفي القرآن روي عن مجاهد في قوله تعالى: "يوم يُدَعُّونَ إِلى نار جهنم دَعّاً"؛ قال يُدْفَرونَ في أَقفيتهم دَفْراً أَي دفعاً/ اللسان

أثرم= الثَّرَمُ: انكِسارُ السِّنِّ من أَصلها، وقيل: انكِسار الثَّنِيَّة خاصَّة، ثَرِمَ، بالكسر، ثَرَماً وهو أَثْرَمُ والأُنْثَى ثَرْماء/ اللسان

أجلح= الجَلَح ذهابُ شَعْر مقدّم الرأس، ورجلٌ أجْلَح/ المقاييس. وفي اللسان؛ الجَلَحُ: ذهابُ الشعر من مُقَدَّم الرأْس، وهو انْحِسار الشعر عن جانبي الرأْس، وأَوّله النَّزَعُ ثم الجَلَحُ ثم الصَّلَعُ.

ثخين = ثَخِين. المكتنز اللُّحْمة والسَّدَى من جَوْدةِ نَسجه ثَخين/ المقاييس. وفي اللسان: ثَخُنَ الشيءُ ثُخونةً وثَخانةً وثِخَناً، فهو ثَخِينٌ: كثُفَ وغُلظ وصلُبَ.

ثول= الأثول: الحمق، المجنون، والبطيء الخير والعمل/ مختار القاموس

ثرب= الثَّرْبُ: شَحْم رَقِيقٌ يَغْشَى الكَرِشَ والأَمْعاءَ، وجمعُه ثُرُوبٌ. الشَّحْمُ الـمَبسُوط على الأَمْعاءِ والمَصارِينِ/ اللسان

خبن= خَبَنَ الثوبَ وغَيرَه يَخْبِنُه خَبْناً وخِباناً وخُباناً: قلَّصَه بالخياطة. قال الليث: خَبَنْتُ الثوبَ خَبْناً إذا رفعتَ ذُلْذُلَ الثوبِ فخِطْتَه/ اللسان

أهدل = وهَدَلْتُ الشيء أهْدِلُهُ هَدْلاً، إذا أرخيته وأرسلته إلى أسفل/ الصحاح. زفي المقاييس/ الهَدَل: اسْتِرخاء مِشْفَر البعيرِ وكلِّ شيءٍ. يقال منه هَدِلَ. أهْدِلُه، إذا أرسلتَه إلى أسفل.

ختل= ختله: خدعه، وختل للصيد: تخفى له/ مختار القاموس.

*وهناك المزيد من هذه المفردات يجدها القارئ في هذا المعجم اهتديت إليها خلال بحثي عن جذور بعض الكلمات العربية العراقية التي حاول السعدي "مندأتها" وزجها في معجمه المندائي. ومن هذه الكلمات أذكر الأمثلة التالية:

باگ = سرق وكنت قد بحثت عن جذرها في المعاجم العربية من قبل ولم أصل إلى نتيجة ولكنني سررت بوجودها بهذا المعنى في المعجم الوسيط وفيه نقرأ (وَيُقَال باقت بِهِ، وَباقَ فُلَاناً وَعَلِيهِ غدر بِهِ وَيُقَال باقوا عَلَيْهِ اجْتَمعُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ظلما، وَباق الشَّيْء سَرقه).

حْذاي = بجانبي وبالقرب مني. نقرأ في الصحاح في اللغة (قال ابن السكيت: حَذَوْتُهُ، أي قعدتُ بِحِذائِهِ)، وفي اللسان (ويقال: حُذ بحِذاء هذه الشجرة أَي صِرْ بحِذَائها).

مْزهلل= فعلها زهلل ويعني لمعَ وتألقَ وابيضَّ وانقشعت عنه العتمة ومزهلل مشتق منه (اسم مفعول)، ويعني أبيض وأملس ومطمئن القلب.. قال الشاعر الجاهلي تميم بن مقبل يصف ابتسامة حبيبته:

كأَنَّ ضَحْكَتَها يوماً إِذَا ابْتَسَمَتْ........ بَرْقٌ سَحَائِبُهُ غُرٌّ زَهَالِيلُ

وفي الصحاح (الزُهْلولُ: الأملسُ). وفي الوسيط (زهل: زهلاً ابيضَّ واملاس فَهُوَ زهل).

مسودن = مجنون، كما خرجها الشيخ جلال الحنفي، ربما جاءت من الإصابة بالسوداء التي تعني في اللغة العربية "مرض نفساني يؤدي إلى فساد الفكر في حزن هي متلازمة اكتئابية محددة تتمثل بحالة مزاجية سوداوية ودرجة من الحزن العميق والأسى وفقدان الأمل أي المنخوليا الاكتئابية" أقرب إلى السودة أو السوداء.

يصمد= تعني يكنز النقود ويخزنها، علاقتها التأثيلية والمعنوية واضحة بالفعل العربي صَمَدَ ونقرأ عنه في أحد معانيه في القاموس المحيط (صَمَدَ القارُورةَ ونحوها: سَدَّها بالسِّداد. وصِمَادٌ: سِدادُ القارورَةِ، أو عِفاصُها، وقد صَمَدَها).

باح = تعني لا يوجد. وللكلمة أساس في اللغة العربية وهي مستعملة في عاميات الجزيرة العربية ونقرأ في المحيط في اللغة (بَحْبَاحِ أي لم يَبْقَ‌ شَيءٌ (المحیط في اللغة/ ج2 - ص323). وفي "تاج العروس" نقرأ (بحباح مَبنيَّةً‌ على الكسر: كلمةٌ‌ تُنْبِئُ عن نَفَادِ الشَّيء وفَنَائِه، إِذا قيلَ‌ لنا: أَبقِيَ‌ عندكم شَيءٌ؟ قلنا: بَحْبَاحِ‌. أَي لم يَبْقَ‌.

بارية = حصير مصنوع من القصب. الكلمة أكدية تلفظ "بورو" وهي عربية أيضا وكثيرة الورود في النثر التراثي والفقهي رغم عدم تأثيلها في المعاجم القديمة. ذكرتُ مثالين على ورودها في التراث: نقرأ في "عقدة الصابرين" (فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية).  في "البداية والنهاية لابن كثير" (وقعة درب الحجارة كانت لأصحاب الأمين، قتل فيها خلق من أصحاب طاهر، كان الرجل من العيَّارين والحرافشة من البغاددة يأتي عريانا ومعه بارية مقيرة ... (الأرجح هو أن العَيّار البغدادي المذكور كان يستعمل بارية مقيرة كزورق أو طوف على النهر / ع ل).

بخش =حفر، ثقب، خرق والكلمة عربية فصيحة وردت في معجم محيط المحيط (بَخَش: ثقب، نقب، خرق، حفر).

بَسَطَ = ضرب وصفع، وكلمة بسط بهذا المعنى أقرب لفظا ومعنى إلى العربية الفصحى بَسَطَ بمعنى مدَّ. يقال: بسطه أي مدَّهُ وطرحه أرضا بقرينة الضرب في السياق. ونقرأ في جمهرة اللغة للقالي (بَسَطْتُ الشيءَ أَبسُطه بَسْطاً، إذا مددته على الأرض. وتبسَّط الرجل على الأرض، إذا استلقى وامتدّ).

دغل = نباتات وأعشاب ضارة متشابكة وردت في اللسان بعدة معانٍ منها: "الدَّغَل: الشجر الكثير الملتفُّ، وقيل: هو اشتباك النبت وكثرته".

يهرت = تعني (يثرثر) نقرأ في معجم المعاني (تَهَارَتَ : تشدَّق وأَكثر من الكلام). وفي لسان العرب (يقال للخطيب من الرجال: أَهْرَتُ الشِّقْشِقةِ... وفي حديث رَجاء بن حَيْوة: لا تُحَدِّثْنا عن مُتهارِتٍ أَي مُتَشَدِّق مُتَكاثِر) وفي الوسيط نقرأ (ورجلٌ هَرِيتٌ: لا يكتُمُ سِرًّا ويتكلَّم بما هو مُستَقْبَح).

هرفي = وردت هذه الكلمة في كتاب طه باقر "من تراثنا اللغوي القديم" كمفردة أكدية، أي إنها أقدم من المندائية والآرامية بأكثر من ألف سنة، وتعني المبكر وهي عربية فصحى أيضاً. نقرأ في المعجم الوسيط (هرفَّت النَّخْلةُ: عجَّلت ثمرها. وهَرَّفَ القومُ إلى الصَّلاة: عَجَّلوا. والهَرْف: ما يُعجَّل من الثَّمر وغيره.

إنَّ هذا النوع من الكلمات العربية الفصيحة والمنقرضة أو تلك النادرة الاستعمال في اللغة العربية المكتوبة المعاصرة يمثل الكثرة الكاثرة والغالبية الساحقة من كلمات اللهجة العراقية إلى جانب ما سماها العلامة طه باقر الرواسب من اللغات العراقية القديمة المنقرضة وهذا كله إنما يؤكد العلاقة العضوية الجذورية والقواعدية والمعجمية التي تجمع اللهجة العامية العراقية بأمها اللغة العربية الفصحى وتجعل من أية محاولة لتغريبها عن حاضنتها الحقيقية نكتة سمجة وثقيلة بالأدلة الملموسة والموثقة من المعاجم العربية القديمة والحديثة توثيقا لا نعتقد أن هناك من سيغامر مجددا بالعبث أو التشكيك بعروبة وسامية لهجة العراقيين العربية العريقة.

يذكر السعدي أن هدفه "ليس حصر المفردة في مجال ضيق ودفعها وحشرها في اللغة المندائية بمقدار ما وجدنا أن عدم وجود تخريج مرجعي للمفردة فإن تقاربها في اللفظ والمعنى والقدم مع ما ترد فيه في اللغة المندائية يسجل لصالح هذا التقارب وليس ضده طالما أن بيئة اللغة المندائية هي الجنوب العراقي وأن هذه اللغة مازالت تحفظ اللفظ لمئات المفردات والكلمات الشائعة في العامية المحكية بل أن تلك المفردات وما طمس منها كانت هي الفصيحة قبل شيوع استخدام اللغة العربية. ص 12"، وسوف نثبت عملياً وبالملموس أن هذا الكلام ليس دقيقا البتة، وربما يذكرنا بالمثل العربي القديم "يكاد المريب يقول خذوني"، وأن هدف الكاتب كان على وجه التحديد هو "حصر المفردة -العامية العراقية - في مجال ضيق ودفعها وحشرها في اللغة المندائية" بهدف تكثير المفردات العامية العراقية التي يزعم أنها مندائية لتحويل المندائية كما يقول صراحة إلى اللغة العراقية الفصحى، من خلال تقديم تخاريج عشوائية وبتعسف تأثيلي متهافت يصل إلى درجة مثيرة للسخرية أحيانا.

وأصارح القارئ إنني عانيت شخصياً من الشعور السيء بأن مؤلف هذا الكتاب يسخر من عقلي ومن عقل قارئه عموما حين يشتط به الأمر كثيرا فيزج بكلمات عربية عريقة وموجودة في جميع اللهجات العربية من المحيط إلى الخليج في معجمه المندائي وبتخاريج ما انزل الله بها من سلطان؛ عندها ينتابني الغضب لشعوري بأن الرجل يسخر من عقلي وعقول قرائه وذكائهم فأتوقف عن متابعة قراءة كتابه والرد على تخاريجه لفترة ثم أعود إلى العمل بعد أن تكون أعصابي قد هدأت وتطامنت وتغلب فيَّ الشعور بالمسؤولية النقدية وخيار عدم السكوت وضرورة الرد العلمي الموثق عليه وتفنيده وكشف مصادرته ونقاط ضعفه وجهل كاتبه الفاضح في ميدان اللغة وعلومها كعلم التأثيل المفرداتي الإيتمولوجيا، والفيلولولجيا "فقه اللغة المقارن"، والفونولوجيا (علم وظائف الأصوات اللغوية) والمورفونولوجيا (علم الأصوات الصرفية - التشكل)، أو في ميدان التأليف المعجمي وسياقاته وقواعده.

***

علاء اللامي

....................

* حذفتُ الهوامش التوثيقية من نسخة النشر كمقالة صحافية وأبقيت عليها في مقدمة الكتاب.

في المثقف اليوم