أقلام حرة

محمد سعد: الفشل البطولى

ليس المهم كيف تهب الريح الأهم كيف ننشر الأشرعة. بدل أن نلعن الريح ..!

في رواية الأديب والروائي" أرنست همنجواى  الشيخ والبحر"  التي كانت من أهم اعماله في  حصوله علي جائزة نوبل من هذة الرواية .. الرواية تدور عن رجل مسن" سانتياجو.. يخرج الصياد سانتياجو لصيد السمك وبعد أيام من الفشل في العثور على صيد، تعلق سمكة كبيرة في شبكته، لكن بعد عناء ومشقة وسحب للشاطئ، تقاوم السمكة حتى تتحول الى هيكل عظمي، جراء نهش سمك القرش وضربات الصياد:...

لم تهزم السمكة بل قاومت حتى الموت، ولم يهزم الصياد لأنه بذل كل ما يستطيع، وهو على سرير القش على الساحل ينام منهكاً مغطى بالصحف يقول للصبي المساعد:

" جهز الشباك ليوم غد"

يا للبهاء والقوة والاصرار: لم يفشل ولم يهزم،

عندما نجحت الثورة الفرنسية ..كان نابليون بونابرت يطمع أن يكون اسكندر الأكبر..

قيل لنابليون: " جبال الألب تعرقل تقدم الجيش"

فقال: " نزيل جبال الألب". قوة إصرار ومحاولة ..!!

هناك نجاح مختفي في كل فشل، وقد يختزن النجاح العابر فشلاً مروعاً: هناك دائما بداية جديدة،

والأهم كيف نجهز الشباك لليوم القادم وكيف نفتح الأشرعة.،

تقول ؛-"فيرا بيفر" أخصائية فرنسية في علم النفس...،

ما معنى الفشل....؟!  تقول الباحثة الفرنسية: انه مفهوم مرن ومطاط ويتوقف على طريقة تفسيرنا له وليس حدث الفشل نفسه:

كل الأمر يتوقف على الطريقة التي حفظنا

فيها التجربة وتعاملنا معها وغالبا نضع العنوان الخاطئ: (فشل، إحباط، صدمة، خيبة).

على ضوء ذلك سنشعر ونفكر ونتصرف....، لا شيء إسمه الفشل في حياة مستمرة كما هو سائد في المعنى العام، وعادة نضع الفشل كنقيض للنجاح، وهو تعريف خاطئ:

النجاح هو فشل متكرر تم تجاوزه.

الفشل يعني سوء تقدير وتخطيط وتوقع مفرط،

ومع ذلك كل فشل يختزن في داخله نجاحاً مخفياً،

كيف نعثر عليه...؟!

هنا النجاح الحقيقي وتجاوز محاولة فاشلة.

غالبية العلماء عانوا من فشل تجربة، توماس أديسون في المحاولة المئة نجح.

الأخطر هو تعميم تجربة خاطئة على كل الحياة، أو النظر لكل شيء من منظار العطب المغبر، وهو اليأس والفشل النهائي، الاستسلام ويحدث الخوف من المبادرة بناء على فشل سابق لم يصحح....،

هناك توصيف غير صحيح للمفاهيم.

الليل لا يتناقض مع النهار بل يختلف عنه ويحتويه،

الشجاعة لا تتناقض مع الخوف، الشجاعة هي خوف متحرر،الغزال أسرع من الأسد ولكن الخوف من الأسد تقع فريسة له ..!

والحياة لا تتناقض مع الموت بل تتضمنه،

ومن لحظة الولادة نحن في حالة هدم وبناء، موت وحياة،

والنجاح لا يتناقض عن الفشل بل يختزنه،

النجاح وجه الفشل الآخر المخفي:

نحن أسرى قوالب وسجناء مفاهيم. قال ناقد لأسرة الكاتب  بلزاك طلبت رأيه:

" بلزاك يصلح لكل شيء إلا الرواية"

بلزاك سخر منه وصار أشهر كتاب فرنسا والعالم...لذلك لاتقلل من قيمة شخص حتي ولم يحقق نجاح في مجال ما

كثير من قريتنا فشلوا في الدراسة ولكنهم نجحوا في مجالات أخري ..،

الحدث نفسه عندما طرد المعلم العالم" البرت انشتاين" من المدرسة

كغبي وكذلك "توماس " لكن أمه علمته تعليماً خاصاً.

لماذا نسمى محاولة فاشلة إذا كنا غير مستعدين

لها ولم نفحص الاحتمالات...؟

علم الاحتمالات علم مثل أي علم آخر يُدرّس في المعاهد والجامعات ومراكز الابحاث العالمية ..! وهو يدرس القضية من جميع جوانبها مع الاحتمالات، النجاح والفشل

الاحتمال الصحيح، المرجح، الخطأ، غير المتوقع، الاحتمال الذي تفرزه ظروف طارئة.... والخ .!!وهو معروف في مراكز الابحاث وفي غرف

التخطيط للحرب وفي المؤسسات العلمية،

لكن في العواطف والمواقف الانسانية هناك الاندفاع بلا حساب،

ومع ذلك قد نخسر معركة لكن نربح فرصة جديدة  وتكسب رهاناً.

أحيانا يدلك الشخص الخطأ على الشخص الصحيح وكل ما في الأمر أنك سلكت الطريق الخطأ وتشابهت الصور والاهداف. يمكن دائما قطع طريق العودة .

عندما أعود اليوم الى حالات فشل شخصية من زاوية جديدة، أكتشف ان النجاح فيها كان سيكون كارثياً ، بمعنى ما يسمى الفشل كان منقذاً من خسارات لا تعوض. كان الفشل العابر نجاحاً على المدى البعيد. قد تمضي في طريق خاطئ وترهق لكنه يدلك على الطريق الصحيح..المهم ليس المهم كيف تهب الريح الأهم كيف ننشر الأشرعة.بدل أن نلعن الريح ..!!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

 كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

في المثقف اليوم