تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

علي حسين: الدينار الذي أكله الفشل

قبل يوم من قرار مجلس الوزراء الصادر في السابع من شباط الماضي، نصحنا السيد رئيس الوزراء بأن نخزن في بيوتنا الدينار، ونتخلص من الدولارات، على اعتبار أننا شعب من الأغنياء، نعيش رفاهية اقتصادية لا يحلم بها أي ساكن على كوكب الأرض، ولأن المسؤول العراقي مثله مثل السياسي لا يرى أبعد من المنطقة الخضراء وما حولها من فِلَلْ وقصور وجكسارات، فنراه يعتقد أن المواطن العراقي الذي يسكن في المعامل أو في نواحي السماوة يحتار أين يخبئ الدولارات !.

لم يكن قرار تخفيض الدولار، قراراً اقتصادياً، بل حفلاً كبيراً لبعض النواب والمدونيين الذين أخبرونا أن المواطن العراقي سيحتل المرتبة الأولى في الرفاهية الاجتماعية، وأن زمن البطالة انتهى، والمصانع ستعمل 24 ساعة باليوم، والفلاح يُصدر منتوجه إلى أقاصي أوروبا، والبطالة تحت الصفر، وظهر عدد من المحللين السياسيين والاقتصاديين بكامل أناقتهم يتحدثون عن الخطوة الكبيرة في إصلاح الاقتصاد العراقي، لم يخل الأمر بالطبع من مزيد من توابل الإثارة، مثل الظهور اليومي للناشطة المدنية عالية نصيف وهي تتحدث وكأنها المرحوم آدم سميث صاحب "ثروة الأمم"، فيما اتحفتنا إحدى القنوات بالاقتصاديين الكبيرين حمد الموسوي وهيثم الجبوري وهما يتباكيان على حال المواطن العراقي بسبب تعنت الدولار.

بعد سبعة أشهر على قرار الخفض ماذا حصل؟، المواطن لايزال يشتري الدولار بأكثر من 150 ألف دينار، فيما أصحاب البنوك الوهمية وتجار الـ " 56 " يشترون الدولار بـ"1300" دينار، وتزداد الإثارة إذا عرفنا أن البنك المركزي يبيع يومياً أكثر من "200" مليون دولار عداً ونقداً.

وسط هذا المناخ المشبع بالإثارة والتشويق، يعيش المواطن مع وصية "اقتنوا الدينار واطردوا الدولار". لنكتشف أن المقصود، أن تزداد ثروات تجار الخردة في العراق، وتمتلئ خزائن أصحاب المصارف، وتُهرب العملة شمالاً وجنوباً ، دون أن يخرج علينا أحد ليوضح لنا: لماذا؟

في تاريخ العراق المعاصر كان هناك شخص اسمه ساسون حسقيل ، تولى مالية العراق في أول نشوء للدولة، تخبرنا كتب سيرته أنه كان يجادل نوري السعيد في معنى الديمقراطية، ويغضب الملك بسبب مراقبته مخصصات البلاط، ويمنع ياسين الهاشمي من استغلال منصب رئيس الوزراء في إثارة الخلافات السياسية، ويحسقل الموازنة من أجل أن يجعل من الدينار العراقي الحديث الولادة، أكثر عافية من الجنيه الإسترليني، ما الذي كان يغيظ هذا السياسي البارع؟، إنهم أصحاب الخطب الرنانة.

مسلسل الخطباء الذين ابتلينا بهم، أصابنا جميعاً بالحيرة، فحتى هذه اللحظة لم نتوصل إلى تحديد ماذا يريدون، الجميع يتحدث عن الرفاهية مثلما يخبروننا كل مرة، ولكن بشروطهم، نجدهم ليل نهار يصرخون بأنهم عازمون على قتل الدولار، فيما الدينار يزداد حيرة ،والوقت يحتاج إلى صبر، والصبر مفتاح الفرج، والمفتاح ضايع " في سراديب الفشل .

***

علي حسين

في المثقف اليوم