أقلام حرة

علي علي: الروية والتقاعس

تعلمنا في صغرنا أن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة، ولم يفت هذا شاعرنا الذي قال:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية

فان فساد الرأي أن تستعجلا

ولم يبخل آخر في نصحه وارشاده لنا حين أنشد:

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

ولنا في أمثالنا العراقية الشعبية ما تنوء به أسفار التأريخ في جميع أمور حياتنا اليومية كمثلنا القائل: (اللي تهدّه ما عثر).

بعد هذه الديباجة عن التؤدة والروية في أعمالنا، سأعرج على ركن هام جدا من أركان بلادنا، ركن يسيء استخدام التأني أيما إساءة، ذاك الركن هو مجلسنا التشريعي، إذ ما يثير التساؤلات والعجب هو تماديه في التأني والروية، باقرار قوانين لها من المنتظرين ملايين من أبناء هذا البلد، ممن تأملوا الخير في التغيير الذي آل اليه العراق قبل عشرين عاما، ومعلوم أن التغيير يكون ذا فائدة مجدية إن كان تغييرا من السيئ الى الجيد، أو من الجيد الى الأجود، فهل أعقب تغيير عام 2003 حصول حالة إيجابية تستحق الإشارة اليها؟ وهل انتقل وضع البلاد من سيئ الى جيد، وكذاك وضع العراقيين، هل ناله التغيير من رديء الى حسن بعد ذاك العام؟.

لا أظن أحدا يقر بأن شيئا إيجابيا قد حصل في العراق منذ عقدين، سواء ممن عايشوا مآسي البلاد إبّانها، أم ممن تطلعوا على مجريات أحداثها خارج نطاق تأثيرها، فما حدث -ومازال يحدث- بعد التغيير الذي حصل في العراق، لا يختلف عما كان يحصل قبله، وإن كان ثمة اختلاف، فالدلائل والقرائن تشير كلها الى النكوص والتدني والفشل والتقهقر، في كل مفاصل البلاد دون استثناء، وقد انطبق على العراقيين المثل القائل: (يخلص من الطاوة تتلكاه النار) أو المثل الآخر -والأمثال كثر- (بدلنا عليوي بعلاوي).

فلطالما رفع مجلس نوابنا جلسته الى إشعار غير مسمى، واللافت أن محاور اجتماعاته تدور في فلك بعيد عن مصالح المواطن، وما يعانيه من تداعيات إخفاق ساسته ومسؤوليه في جوانب البلد كافة، كما أن ديدنه في بطء أعماله الشديد، مازال السمة الغالبة بأدائه، ومن غير المعقول السير السلحفاتي في اجتماعاته بين رفع قرار وتشريعه وتنفيذه، وكأن العملية برمتها قضاء وقت وتمشية أعمال، ومن غير المقبول واللائق بمسؤولين وضع الشعب فيهم ثقته وأمله، ان يجازوه بالخذلان، فهم بهذا يضحكون على الذقون، ويتسببون بتأخير مرافق البلد ومفاصله، ويباعدون الفجوة بين المواطن وحكومته، لاسيما ان هناك من يتربص ويتحين الفرص من أجل تمرير أجندات مبيتة، منها داخلية وأخريات خارجية، هدفها النيل من العراق والسعي في إبقائه في واد ناء عن باقي الأمم، وهذا من المؤكد لايخدم أي عراقي شريف. فالقول أن عجلة البلاد توقفت يعني أن كل من يدعي عراقيته وانتماءه للعراق، تكون قد توقفت مصلحته وتأخرت مسيرة حياته، وبذا يكون حريا بالجميع وأولهم قادة البلد الحفاظ على العجلة سائرة بأمان، محفوفة بحماية الجميع من عبث الأغراب بدواليبها، ليضمنوا سيرها بالاتجاه الصحيح تحت رعايتهم المباشرة وغير المباشرة، ومن الطبيعي أن سرعة السير يجب ان لاتأتي على حساب سلامة الوصول، كما أن القول؛ (سيري وعين الله ترعاك) ليس كافيا من دون فعل حقيقي ملموس على أرض الواقع، يبعد الشر ويدرأ الأخطار عن مسيرتها. أما لو افترضنا ان بعض أصحاب القرار ينطبق عليهم المثل الشعبي العراقي القائل: (تكيف البزون بعمى أهلها) فهنا يأخذ المقام مقالا آخر، إذ يتوجب على الـ (بزون) أن (تحسبها زين) وبغير الحساب الصحيح والذي يفضي الى نتائح سليمة، ستتعرض الـ (بزون) لشتى أساليب المنع، وستواجه كل سبل الاعتراض، اولها الضرب بالحجارة وثانيها بالـ (مداس) لينعم أهلها بحياة حرة تليق بالقيمة العليا للإنسان.

***

علي علي

في المثقف اليوم