أقلام حرة

صادق السامرائي: أوهام عظمة تأريخنا!!

لكل أمة تأريخها، ولا توجد أمة بلا تأريخ، مهما طال أو قصر، فالأيام تخط مسيرتها في ذاكرة البشر ومنذ الأزل، فمنهم مَن يكتبها، وأكثرهم يتناقلها شفاهيا، عبر الأجيال، وهذا ما عهدته البشرية لقرون متعددة حتى برزت الكتابة.

والملاحظ في واقعنا، أن العقلية المتوارثة منغمسة في مفاهيم عظمة التأريخ وبهتان الحاضر وفقدان قيمته وأهميته، وتركزت الجهود بأنواعها في الجد والإجتهاد لنبش أجداث الغابرات.

وتجد النخب (مفكرين، فلاسفة، كتاب، وأمثالهم) غاطسين في ملاحم مضى وما إنقضى، حتى لتحسب الحاضر مغيبا، والمستقبل معطّبا، والأموات هم الأحياء، والأحياء في عداد الموتى.

وما يحصل تعبيرات عن إرادات الأموات، ونكران دوران الأرض، وحتمية التغيير والتواصل مع العصر.

وبموجب ذلك، تحولت العديد من مجتمعات الأمة إلى عالات على الآخرين، فهي غير قادرة على إطعام نفسها، وتصنيع سلاحها، وتنمية قوتها، وإدارة ثرواتها، وأكثرها تابعة مذعنة للأقوياء الذين يتحكمون بمصيرها.

فالإمعان بتعظيم التأريخ سلوك يمثل عجز الأجيال، أو يهدف لتعجيزها، فالإعتزاز بالتأريخ لا يعني ما نقوم به من تفاعلات سلبية معه، بل يكون بالإستفادة من جواهر ما فيه، والتعبير عن تواصلنا الإبداعي معه بطاقتنا المعاصرة، وعدم الإستكانة لإرادة الغابرين.

السائد في الوعي الجمعي إرتهان مَرَضي بالتأريخ، وشلل لأية إرادة تواقة لحاضر مزدهر ومستقبل سعيد، فلكل حالة مَعين يبررها في آبار التأريخ.

فهل سنغادر معاقل الضياع والتيهان في الماضيات؟

"بقدْر الكد تُكتَسب المعالي

ومَن طلب العلى سهر الليالي

ومَن طلب العلى من غير كد

أضاع العمر في طلب المُحالِ"!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم