أقلام حرة

علي حسين: من كيسنجر الى الجعفري!!

عندما عُيّن هنري كيسنجر مستشاراً للامن القومي نهاية الستينيات، ثم وزيراً للخارجية الأميركية بدا الأمر مفاجئاً للجميع، فليس من السهل أن يُعطى هذا المنصب، لرجل مولود في ألمانيا.

الفتى اللاجئ الذي كان يبلغ خمسة عشر عاماً سوف يحور اسمه الألماني من هاينز، إلى هنري وجد عملاً في أحد المصانع وواصل دراسته ليحصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1950، وظل حتى اللحظة الأخيرة من حياته يقرأ كل شيء، ويصر على العمل حتى وجدناه بعد أن احتفل بعيد ميلاده المئة في السابع والعشرين من أيار 2023، قرر أن يزور الصين للمرة المئة، ليستقبله الرئيس الصيني شي جينبينغ وهو يقول له: "لن ننسى أبداً صديقنا القديم".

سوف يعتاد العالم على مشهد الرجل حاد النظرات، حاد اللسان، ينتقل من عاصمة إلى عاصمة، يجادل الرؤساء، يخوض غمار المسائل المعقدة، لكنه في الوقت نفسه يعشق السهر في أي مكان تتواجد فيه الراقصة المصرية نجوى فؤاد، وسيخصص لها مكاناً في يومياته فيكتب: "بعد يوم طويل من المفاوضات والجدل بين دهاليز السياسة، أخيراً أستريح في سهرة أحرص فيها دائماً على وجود الراقصة المصرية التي فُتنت بها وهي الفنانة نجوى فؤاد، وكنت أحرص قبل وصولي إلى القاهرة على التأكد من وجود الراقصة الجميلة في مصر، وأسأل عن أماكن تواجدها حتى أراها، وكانت تبهرني، بل أعتبرها من أهم الأشياء الجميلة التي رأيتها في الوطن العربي إن لم تكن الشيء الوحيد".

كسينجر الذي رحل عن عالمنا قبل أيام تحول من مجرد صحفي يعمل في صحيفة أسبوعية إلى واحد من أهم رجالات السياسة الأمريكية، يجلس في مكتبه لتمر من أمامه كل الأوراق المتصلة بالشؤون العسكرية والداخلية والخارجية، يكتب في واحد من مؤلفاته "ضرورة الاختيار" عن الفرق بين السياسي البليغ والسياسي العميق، حيث يرى أن السياسي البليغ يبتعد دائماً عن أعماق المشكلة وأساس الحقائق، معتمداً على ما يقدم له من ملخصات عن الأوضاع، فنجده يبتعد عن الابتكار"، بينما يرى أن عالمنا يحتاج إلى السياسي العميق الهادئ الذي يحلل الأشياء قبل أن ينطق بكلمة. فالسياسة الارتجالية تفتقد الى النظرة الشاملة، ونجدها فاقدة الاتجاه والمضطربة، تخضع لردود الأفعال أمام الأزمات.يقول كسينجر إن المسؤول الحقيقي لا يستحق لقبه مالم يستطيع التمتع بنكران للذات، قوة وحكمة في مواجهة العواصف السياسية، وأن يكون قريباً من رجال مثقفين لا بيروقراطيين.

ربما يقول البعض إن أسوأ ما يحدث للكاتب، أن يضرب أمثلة بأشخاص كان قبل سنوات يضعهم في خانة الأعداء، ولكن ماذا نفعل ياسادة وليس لدينا ما نتباهى به سياسيا.

بعد أن أُعلن خبر وفاة كيسنجر أرسل لي الكاتب الكبير رشيد الخيون بوست لأحد العراقيين كتبه على صفحته في الفيسبوك يقول فيه: "كسينجر كان السياسي الأول في العالم لغاية ظهور إبراهيم الجعفري". بالتاكيد لا توجد ابلغ من هذه النكتة.

***

علي حسين

في المثقف اليوم