أقلام حرة

مازن كم الماز: ليس دفاعًا عن اليسار السوري

يمكن أن تقول ما تشاء عن "اليسار" السوري فجسد اليسار السوري لبيس كما يقال وفي تاريخه وحاضره ما يكفي من مصائب يكفي لتجعل منه بالفعل هدفًا للنقد والنقد اللاذع أيضًا، فاليسار عرف عبادة الفرد وغياب حتى المركزية الديمقراطية التي يفترض أن تحكم الحياة الداخلية للأحزاب الشيوعية وأخواتها وعرف الدوغماتية ومارسها بحماسة وخضع لتوجيهات الرفيق الأكبر على الضد من مصالح الطبقات السورية الكادحة وأحيانًا حتى على الضد من مصالحه هو المباشرة وكان موقف الكثير من "اليساريين" السوريين من الثورة السورية مخيبًا، ذيليا مائعًا بلا أية نكهة يسارية وما مارسه الحزب أو الأحزاب الشيوعية الرسمية تجاه النظام مارسه خصومهم تجاه المعارضة الرسمية وخاصة الإسلاميين وغابت شعارات اليسار عن العدالة والحرية واستبدلت تارةً بشعارات الدفاع عن الوطن (النظام) أو بالديمقراطية تحديدًا كأكثرية طائفية وقومية رغم الإصرار في نفس الوقت على الأقليات القومية والدينية العربية والإسلامية في بلاد اللجوء في فصام غير محير بالمرة.. لكن حتى أسوأ مواقف الشيوعيين الرسميين الخانعة والوجلة لم تكن هي المسؤولة عن هزيمة الثورة بينما تكمن أسباب الخراب والهزيمة في مكان آخر تمامًا: عند الإسلاميين السوريين الذين تصدروا المشهد الرسمي والعسكري والذين ساقوا غالبية جماهير الثورة وراءهم من هزيمة لأخرى مكتفين بتوزيع الاتهامات على الباقين.. إن انتقاد اليساريين والشيوعيين السوريين اليوم هو فقط لأن حطيهم واطي ولأنه لا توجد دولة اقليمية أو عالمية تدعمهم خلافًا للإسلاميين الذين يخطب ودهم الكثيرون ليس لأنهم على حق بالضرورة.. أعتقد بناءً على سيرة قيادات الحزبين الشيوعيين الرسميين الانتهازية أنهم كانوا سيقفزون من سفينة النظام الغارقة لو أن الثورة السورية اقتربت بالفعل من إسقاط النظام وإذا تأخروا في فعل ذلك فكانوا سيدفعون وحدهم ثمن تلك "الهفوة".. أعتقد أن المشكلة الأكثر تأثيرًا كانت في انضمام شخصيات كرياض حجاب وموظفين كبار آخرين في النظام إلى جانب أعداد كبيرة من ضباط الجيش والأمن العرب السنة تحديدًا "المهمشين من سطوة الضباط العلويين في الجيش والمخابرات والدولة"، لا شك أن هذا كانت حركة ذكية منهم (في وقتها) لكن من الممكن مناقشة كم كانت حركتهم الذكية تلك تخدم السوريين المحكومين الذين يفترض أن الثورة جاءت لتحريرهم.. وربما كان استمرار قيادات الحزبين الشيوعيين الرسميين إلى جانب النظام كان متسقًا أكثر مع مسيرتهم ومواقفهم السابقة وأكثر فائدة للثورة من جهةٍ ثانية.. انتقاد اليسار السوري على كل علاته هو هروب من أي نقاش جدي للواقع السوري وخاصة من الأسئلة الأكثر صعوبة التي لا يريد أحد وربما لا يمكنه حتى التفكير بها

***

مازن كم الماز

 

في المثقف اليوم