أقلام حرة

صادق السامرائي: فقدان العقل!!

البشر يمكنه أن يفقد عقله ويبعده عن الحياة، فتحل محله قوة عاطفية متأسدة تمتلكه لتؤكد فعلها ودورها فيه.

ويتحقق الفقدان العقلي عند البشر عندما يتعرضون لشدائد هائلة وضغوطات فائقة، قد تكون حادة أو مزمنة التأثير، لكنها تخترق البشر وتهز كل خلية في جسمه، وتغرس في أعماقه  إحساسا هائلا من الألم والمعاناة النفسية القاسية، التي تدفع للغضب والفعل القوي المنحرف، الذي يمثل دوامة مدوية من الانفجارات الإنفعالية التي تساهم في إنكباس الطاقات السلبية وزيادة قوة تفجيرها وتأثيراتها التدميرية.

أي أن البشر يتحول إلى قوة فتاكة تدمر نفسه وغيره، ويدخل في معصرة الآهات الطاحنة والويلات المتمكنة والأوجاع الساخنة.

البشر ينسى عقله، ولايمكن لأي عاقل أن يجد دورا للعقل في وقت الثورات النفسية الغاضبة اللاهبة.

ويبقى من بقي في جعبته بعض عقل يتساءل، متى تثوب الأشياء إلى رشدها، ومتى تهدأ براكين الغضب.

من يتأمل وقائع الأحداث والمصائب، يدرك أنها مولودة في أزمنة الفقدان العقلي لمجموعة من البشر في هذه البقعة من الأرض أو تلك.

إن البشر الذي يمر بمآسي متواصلة، تصيبه في صميم وجوده وشخصه وعاطفته، لا يركن إلى عقله، بل يغطس في نار الثأر والإنتقام والتعبير عن طاقاته العدوانية المكبوسة في أعماقه على مدى معين من الزمن.

وحينما يطول زمن الويلات والدمارات ويزداد البشر إختناقا وبؤسا وألما وإحساسا بالقهر والظلم، فسيختزن طاقات إنفعالية بركانية الإقتدار والتأثير، تتفجر حينما تتوفر الأسباب والظروف اللازمة لتخفيف الضغط وتحقيق التنفيس الإنفعالي المطلوب.

ويكون تأثير تلك العواطف والشحنات الغاضبة الكامنة، ضعيفا عندما يتم إزالة الضغط تدريجيا، لكنها تكون ذات تأثير إضطرابي وتخريبي هائل . كأنها براكين هائجة تلقي بحممها على مَن حولها، عندما يكون زوال الضغط مفاجئا وكليا، عندها يتحقق الإنفلات التام والخطر العام، وتتحول الأرض إلى جحيم إنفعالي ملتهب لا يبقي ولا يذر.

وهنا يدخل البشر في مجزرة المآسي والدمارات، التي لايسطيع العقل أن يدركها، بل أن النيران تتفاعل مع النيران، والغضب يؤجج الغضب، والموت يأتي بالموت، والشر يدفع إلى الشر، فتتنامى المصائب وتعم الشرور، ويبقى البشر المضغوط البائس أسيرا مستعبدا بمشاعره وإنفعالاته  الضارة.

وبعد أن تأخذ الأضرار ما تأخذه ويفقد البشر ما يفقد في جحيم الويلات، يدخل في مرحلة مطاردة السراب، والسعي وراء ماء ليطفئ ما أججه من نيران، إذ أفرغ ما فية من طاقات العواطف والإنفعالات التدميرية ووجد أنه لم يكن مصيبا، بل قد تحول إلى مدمن على ممارسة الشرور، التي أخذت منه ما عنده فجاء يبحث عن علاج، وعن مَن يسترجع إليه بعضا مما كان لديه، ولكن هيهات.. هيهات.

وحينما تستيقظ في أعماق البشر بذور الخير والأمل والمثل الحميدة، يجد نفسه في مأزق  آخر ومأساة ذاتية أليمة.

لقد حققت الضحية ضحايا، وزرعت آلاما وأحزانا، وتملكها تأنيب الضمير القاسي وإستعبدها الندم والبهتان، ولا ينقذها من وجع الحياة إلا سلطان الموت الحكيم.

هكذا تصنع البشرية فواجعها ومآسيها، وتنزف دماءها وتقتل أبناءها، وتدمر حضاراتها وتقضي على معنى الإنسان فيها!!

***

د. صادق السامرائي

29\5\2014

في المثقف اليوم