أقلام حرة

الطيب النقر: الفريق أول البرهان وعبث المفاوضات‎

الفريق أول البرهان يحتاج فعلا أن يقطع الصلة بينه وبين سيل المفاوضات التي تطعن شعبه في  كبريائه وكرامته، فالشعب الذي يدهشه أولا ثم يؤذيه، تهافت رئيس المجلس السيادي، والقائد العام لقواتهم المسلحة، على تلك المفاوضات التي ينتظرها الدعم السريع وهو جائعا يتضور، لأنها تحقق له أهدافا لم يكن لتحقيقها من سبيل، ولأنها تكفل له أن يسترد أنفاسه، وأن يجلس على تلك المقاعد الوثيرة، التي وضعت عليها الطنافس والوسائد، ليبصر في جزل الجهات المنظمة لتلك المفاوضات،  وهي تستقبل خصمه وهي منتهرة زاجرة، بينما تمنحه هو ألوانا من الرضى والقبول، يظهر الدعم السريع فرحته بالمفاوضات، لأنها تسعفه بتلك المعاهدات والهدن، التي تعينه على أن تنتصب قامتة من جديد، بعد أن  عجز عن المضي في طريقه،  وهي فوق هذا كله، تعيق  الجيش عن تنفيذ مهامه، وتمكن المليشيا المارقة المغتصبة من استئناف مخططها الخبيث، التي أقرته دول الشر، وتواضعت عليه، والمفاوضات التي تقارب العبث وتدنو منه، نجد أن الشعب مقتنعا فيما بينه وبين نفسه، بخطل المضي فيها، ولكن الشعب قليل الحيلة، ويعجز في الكثير من الأحيان، أن يظفر بما يدور في عقل قائده، فالشعب كل الشعب يرى أن الكريهة كان من الممكن ألا تنتهي إلى مثل النتيجة التي انتهت إليها، لو أن الفريق أول البرهان ألقى عصاه، و قبع في مكمنه، وكف عن تلك الرحلات التي لم يتمخض عنها إلا انفصام عروة الانتصار لقواته، فالسودانيون يعنيهم أن تحيا قواتهم المسلحة حياة ملائمة لماضيها التليد، ويأخذهم شيئا من الحزن، وهم يبصرون انتشاء جيشهم بلذة الانتصار، تتحطم أعنتها على صخرة المفاوضات، فقد بات راسخا في أذهاننا، أن مفاوضات الغد التي ينظمها "الايغاد" ستفضي إلى نفس النتائج التي انتجتها مفاوضات منصرمة في دول عربية، وأزعم أن بعض هذه  الدول، الهدف الذي كانت تلتمسه وتسعى إليه في أصل هذه المفاوضات وجوهرها، هو ترجيح كفة الدعم السريع حتى يمضي في قصد واعتدال لتحقيق غايته، كانت كل نتائج المفاوضات في الحق حصرما وزقوما على جيشنا، وعلى شعبنا الذي كرهها وسخط عليها، ولعل ليس من الاسراف أن  نقول، أن الكثرة المطلقة من هذا الشعب الصامد على عرك الشدائد، باتت ترتاب في مغزى هذه المفاوضات التي تمضي بنصيب موفور من انتصارات الجيش، كما أنها تجعله يتورط في ألوان سخيفة من القول، والأدهى من كل هذا أنها تدفعه إلى يأس لا حد له، وتشاؤم عريض.

إذن المفاوضات تفسد مزاج الشعب، وتجعل اعتقاده في قائده يشوبه الضعف والهزال، والبرهان الذي لا يكلف نفسه عناء الحديث إليها، حتى يبعث في نفسها الميل إلى هذه المفاوضات، هناك صفة تدل عليه دلالة واضحة، وتختصر شخصيته اختصارا جليا، فالبرهان يصبح سعيدا سعادة لا تضاهيها سعادة، إذا ظفر بهذا التحدي الذي لا  يرضى عنه، أو يطمئن إليه، إلا إذا جاء من جهة تتمتع بالفطنة والذكاء، فالرجل تعصفه أهواء الذكاء عصفا شديدا، وتستعصى عليه غيرته التي تصحبه حتى تنتهي به إلى الفنادق الفخمة، التي تجرى فيها تلك المباحثات، فهو وإن لم يكن حاضرا في بعضها، فيعنيه أن يظهر حدة ألمعيته، وفرط نبوغه، ولعبة الذكاء التي لا يجد البرهان في السلو عنها سبيلا، يسعى قائدنا الهمام لأن يضحى صاحب المثل الأعلى فيها، وهو مأخوذا بهذه اللذة التي يسعى إليها، ويستعد لهذا السعي في كل جولة تمكنه في شيء من  العسر، أن يظهر ابتهاجه بفوز وفوده التي تترى إلى دول الجوار، وهو لعمري ابتهاج ربما كان أقرب إلى الحزن منه إلى الابتهاج، والشعب الذي كان يجد الخطر كل الخطر بين ثنايا هذه المفاوضات وملحقاتها، لا يستطيع أن يخمد هذا الصوت الحائر في نفسه، فما هي الغاية التي ينشدها البرهان من موافقته الدائبة على اجراء تلك المفاوضات بعد أن لاح خطلها، واتضح أن قوات الدعم السريع لا تلتزم بما جاء في بنودها، فالدعم كان وما زال يقطن في بيوت الناس، وفي دورهم، ومستشفياتهم، ومدارسهم، كما أنه لم يقف ولو للحظة من العدائيات و التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة،حتى جعل القنوات العالمية، كلفة باحصاء الوزارات والجامعات التي دمرتها قوات الدعم في رابعة النهار، أو في هدأة الليل، ولا اعتقد أن الناس ستنسى كل الجرائم التي اقترفتها قوات الدعم السريع، بل سيعلنوا إليه أن مثلهم لا يمكن أن ينسى، هم الآن لا يستطيعون أن يبقوا أمام عدوهم اللدود دون أن يجابهوه وينتصروا لكبريائهم الجريح وقد شاهدنا ذلك في أواسط السودان، فقرى الجزيرة تنتظم الآن في مقاومة سيصفق لها التاريخ، رأيناهم وهم يحملون أسلحتهم، وعصيهم، وحرابهم التي تكاد تختنق غيظا وحنقا، وأوباش الدعم السريع وحثالته تفر هاربة من هذا الغضب النبيل، على القائد البرهان أن يذكي من جذوة هذه المقاومة إذن وأن يباركها، وينصرف بالتالي عن تلك المفاوضات التي تهدم ولا تبني، ويعي أن أقوم  الطرق الموصلة لاجتثاث شآفة الجنجويد، هي اطلاق يد الجيش وهيئة العمليات التي ترتعد فرائص الدعم السريع عند سماع اسمها، على الفريق أول البرهان أن يدعم جهود المقاومة الشعبية، وأن يعمل على تسليحها، ثم يرمي بها في ميادين الوغى دون كسل أو تراخي، فهي تواقة مشرئبة إلي ذلك، حتى تسترد كرامتها الضائعة، وتشفي الغليل.

***

د. الطيب النقر 

 

في المثقف اليوم